هل تريد التعرف على مرجعيات الثقافة الأسبانية؟ هل تبحث عن مجموعة كتب لا غنى عنها في هذا الميدان، على أن تكون سهلة المراجعة وجذابة مرئياً؟ إذاً ما عليك سوى الاطلاع على سلسلة دار (لونويرغ)، التي تنشر كتباً تضم العناوين الرئيسية للأعمال الروائية باللغة الأسبانية، المستمدة من تجارب أدبية عالمية.
في سلسلة (لونبيرغ) يساعدك كتاب كبار وخبراء معروفون، على اكتشاف ما يجب معرفته والاطلاع عليه حول أكثر المواضيع أهمية في الأدب العالمي. كل ذلك تثريه مادة مرسومة غير منشورة، ويزينه تصميم وزع لمجموعة مختارة من الأعمال الأدبية، كفيلة بأن تثير بهجة الهواة والمتخصصين في كل بيئة من بيئات الثقافة الأسبانية.
لم تشهد ثقافة في العالم حالة من الازدهار مثلما شهدت الثقافة الناطقة بلغة سيرفانتس عموماً، وعلى وجه أكثر دقة، آدابها، إذ ظهرت أميركا اللاتينية فجأة بصفتها أعظم قوة روائية، وأكثرها حضوراً في الدوائر الأدبية العالمية، وأصبحت هذه القصة تستحق أن تروى بين أبرز الأحداث في النصف الثاني من القرن العشرين.
وتصاعدت وتيرة انتشار روايات أدباء أميركا اللاتينية في عملية تسويقية واسعة النطاق، انطوت على عناوين فرعية عديدة، كان من شأنها تأمين حالة الانتشار الواسعة هذه، ومن بينها ظهور أسماء واعدة وكذلك روائع أدبية، فضلًا عما بات يطلق عليه (العامل بورخيس) و(بصمة فولكنر)، والاعتماد على أعمال صغيرة، وسطوع نجم الواقعية السحرية، من بين عوامل أخرى.
قيم إبداعية
(الحياة القصيرة)، رواية كتبها خوان كارلوس أونيتي (مونتفيديو 1909- مدريد 1994)، وصدرت في بوينوس أيريس عام 1950، وسجلت تغييراً في وجهة دفة العمل الروائي في أميركا اللاتينية وبالتالي في عموم الأدب المكتوب باللغة الأسبانية، بعد أن راح يتشرب أونيتي مباشرة من كبار أساتذة الأدب الحديث، وعلى رأسهم فوكنر. ويضع هذا الأدب على أول طريق الشهرة عالمياً، حيث يبتكر بروازين بطل (الحياة القصيرة) مدينة خيالية، تدعى سانتا ماريا، سرعان ما تتحول إلى مسرح رئيسي لكل عمل أونيتي تقريباً، وذلك عندما يسكنها بق
صص وشخصيات مثل: الدكتور دياس غري، لارسن وخورخي مالابيا. والذين يمرون بكتبه الواحد تلو الآخر، يدركون كم يرسخ عالماً روائياً صادماً ومقنعاً إلى حد الإدهاش. وأما أسلوب أونيتي المراوغ والحسي والإيحائي، ورؤيته العميقة والقاتمة للإنسان وتهكمه البعيد، فإنه يبلغ نضجه في هذه الرواية التأسيسية، التي كان سيعقبها روائع أدبية، مثل: (الترسانة) – 1961، (وصلة الجثامين)- 1964.
كتب خورخي لويس بورخيس، رواية (الموت والبوصلة)، في (بوينس أيريس 1899- جنيف 1986). وصدرت في بوينس أيريس عام 1951، إذ جمع الكاتب الأرجنتيني تحت هذا العنوان، والذي يعتبر أشهر قصصه البوليسية، تسع روائع مأخوذة من ثلاثة من كتب سابقة له، وهي:
(تاريخ كوني للعار)، 1935، (قصص خيالية)، و(الأف)، 1949. على الرغم من أن جزءاً كبيراً من أفضل حكاياته كتبها في أربعينات القرن الماضي، إلا أن رواياته اللاحقة هي التي جعلت منه شخصية تحظى بشهرة عالمية، وحولته إلى نجم أدبي تأثيره يستحق الثناء، فمنذ ستينات القرن الـ20، شغل بورخيس موقعاً مركزياً في خارطة الأدب العالمي، وليس فقط بالنسبة للناطقين باللغة الأسبانية.
واستبق أدبه بالكثير من العناصر التي اتسم بها ما يسمى تيار ما بعد الحداثة، الزاخر بالملامح الساخرة للثقافة الرفيعة، مجسداً ذلك بعباراته المؤثرة، ونبوغ مفرداته، وأيضاً بلاغة أدبه التي تبرز بطرق وأشكال عديدة، فشقت طريقها إلى أسلوب الذين كتبوا من بعده.
رواية توثيقية
(عن الأبطال والقبور)، رواية كتبها إرنستو ساباتو (الأرجنتين 1911- 1961) وصدرت في بوينس أيرس عام 1961، إذ راح الزمن يضائل حرارة العواطف التي استدعت لحظتها كتابة هذه الرواية، التي لا تزال تحتفظ للقراء الشباب وللذين يصبحون كذلك عندما يتذكرون قراءتهم الأولى لها ببهجة شططها وبشغفها الفالت من عقاله، وبرؤاها (الدوستوفسكية) وروعتها وحدتها وتبجحها، وبكل ذلك.
والذي في نهاية المطاف، يوقظ في الوقت الحالي، حالة من الاستنكار واللوم. خلطة جريئة قوامها رواية من حيث التكوين وأسطورة عائلية لها خلفية تعكس التاريخ الحديث للأرجنتين، من حيث المضمون. وتحتضن (عن الأبطال والقبور) في قلبها التقرير الشهير حول العميان، تلك الوثيقة الغريبة التي تتحدث عن حالة استحواذ مرضية فتحت الباب على مصراعيه لكل التأويلات.
ومن بين هذه التأويلات، لم يتأخر ذلك التأويل الذي يحيل الأمر برمته إلى توظيف تجربة بورخيس، الكاتب الذي يشكل نقيض ساباتو، وهيمنته الساحقة يمكن تأويلها بوصفها دحضاً لخيارات ساباتو الجمالية.
مونولوجات روائية
لا شك في أن رواية «ثلاثة نمور حزينة»، الصادرة عام 1967، هي التي كرست الكاتب الكوبي جييرمو كابريرا إنفانتي (1917-2005) كاتباً روائياً أصيلاً، لكن هذه الرواية لا تنتمي إلى الرواية التقليدية الأوروبية التي تقوم على الحجة والحبكة القصصية، بل إنها تقوم على مجموعة لا متناهية من المونولوجات، بعضها محكي.
وبعضها مكتوب، وكذلك على رسائل ويوميات خاصة، وعلى اعترافات غير بريئة، وخطاب سياسي واضح المعالم، وفيها الكثير من الحنين إلى مدينته الأولى هافانا. كما تنطوي على حكم قيمي وتصور للكاتب حول انحطاط الثقافة الغربية، وتحاكي الحضارة الأوروبية والأميركية بلغة ساخرة. ويمكن القول إنها رواية تدور حول الكيفية التي يجب أن تكتب بها الرواية، فهي تستعرض ما كتبه بشكل ساخر، سبعة كتاب كوبيين حول موت تروتسكي.
كما يصف إنفانتي روايته هذه بأنها نكتة تقع في 500 صفحة مليئة بالجناس والكلمات المركبة من حروف كلمات أخرى وكلمات معكوسة، كما تغص المتناقضات واللعب على الكلمات واللعب على الأرقام وكذلك اللعب باللغتين الانجليزية والأسبانية، وحتى على الأخطاء الإملائية التي تسمح بفرض منطقها الخاص، وتأتي في سياقات معاكسة لما يقال وما يفعل.
وأما رواية (خلية النحل) فهي تحفة الروائي الأسباني كاميلو خوسيه سيلا (1961-2002)، الحائز على جائزة نوبل للآداب والتي كتبها في خمسينات القرن الماضي، وقد جاءت هذه الرواية بعد عقد من الزمن تقريباً على صدور (عائلة باسكوال دوراتي)- 1942، وقد صدرت في الأرجنتين أولًا بسبب مشكلات تتعلق برقابة نظام فرانكو.
ورسخت حالة الصعود المتدرج لتجربة هذا الكاتب في مشهد الرواية الأسبانية، حين كان القارئ قد تقدم على الكلاسيكيات الأسبانية، وعلى بيو باروخا، وكذلك على الرواية الأوروبية والأميركية الشمالية. أفلح سيلا، في الوقت نفسه، بإعادة ترميم وتجديد التقليد الذي كان قد تعرض للتخريب جراء الحرب الأهلية، ذلك أن (خلية النحل) تقدم لوحة خلفية لمجتمع قذر ومنحط، مجتمع مدريد ما بعد الحرب، معكوس بواقعية، مجتمع متصلب لا يرحم لكنه لا يخلو من التسامح والظرافة أيضاً.
وتحققت شهرته المبكرة بصفته كاتب نثر بارعاً. وأفادت في تبيان المفهوم المتقدم والراديكالي الذي يظهره سيلا في الرواية، ومن هنا يأتي مصدر الحديث الروتيني حول اعتبار سيلا معلماً كبيراً في هذا الجنس الأدبي.
شهادتان ورواية
صدرت رواية (خوان بارامو) لخوان بيدرو (1917-1986)، في المكسيك عام 1955، وحينها وصفها بورخيس بأنها (واحدة من أفضل الروايات في آداب اللغة الأسبانية وواحدة من أفضل الروايات التي كتبت في الأدب كله)، بينما قال غابرييل غارسيا ماركيز إنها (أجمل القصص التي كتبت باللغة الأسبانية على الإطلاق)، ومن الممكن ملء صفحات كثيرة مدحاً للرواية الوحيدة التي نشرها خوان رولفو، بعد أن ناهز الأربعين من العمر، وبعد أن ظل يعمل عليها لأكثر من عقد من الزمن.
ولذلك ليس مبالغة الحديث عن مدى تأثير هذه الرائعة الأدبية، التي توصف مراراً وتكراراً بأنها حجر الزاوية في الواقعية السحرية، لا سيما وأنها تتخطى كل محاولات تصنيفها، ذلك أن (بيدرو بارامو)، التي تغص بلغة شعرية روائية مدهشة، بطلها أشباح تصبو إلى الكونية، انطلاقاً من الإسهاب في المفهوم الخاص بالموت في الثقافة المكسيكية، التي تتشرب هنا كارثة أسطورية من الحب والعنف. كما أن رولفو هو مؤلف مجموعة قصصية وحيدة ورائعة هي (سهل اللهيب) الصادرة عام 1953، والتي كان لها وحدها أن تؤمن لنفسها المكان الرئيسي في الأدب الأميركي اللاتيني.
تحوز رواية (أورا) لكارلوس فوينتيس (بنما 1928)، قيمة مهمة، إذ يمكن للمرء أن يصدم من أن هذه الرواية القصيرة جداً تحتل المكان الذي ربما كانت تستحقه روايات مثل (موت أرتيميو كروز)، الصادرة خلال العام نفسه، أو الرائعة الأدبية (أرضنا) في العام 1975، لكن بما أن هذين العنوانين مشهوران جداً، ويشيران إلى كارلوس فونتيس بصفته روائياً مغامراً وملتزماً بشكل عميق بالواقع المعقد لبلاده وللقارة التي ينتمي إليها.
ومتشبعاً بميل أسطوري للتسامح، فإنهما لا يؤديانه حقه ولا يعكسان فكره مثلما تفعل (أورا)، التي تظهره بوصفه كاتباً مرهفاً قادراً، بعناصر قليلة جداً، على حياكة قصة مباغتة ذات حد رائع وتروي في الوقت نفسه، قصة حب متهورة، تبدأ خيوطها في بيت كبير قديم تعيش فيه امرأة متقدمة في العمر تتشابك مع وصول الشاب فيليبي مونتيرو، وكانت منكبة على نشر مذكرات زوجها الراحل. ولكنها تُدخل القادم الجديد في بيئة من الأشباح والإحباط، بيئة يشكل فيها حضور أورا ابنة أخت المرأة العجوز، عاملاً حاسماً ويكشف رويداً رويداً مفاتيح لغزها الذي تفوح منه رائحة المكيدة.
يوسا وماركيز.. عولم متعة الرواية
يرى كثيرون انه تشغل (العمة خوليا والناسخ)-1977، لماريو فارغاس يوسا (البيرو 1936)، المكان المخصص لرواية (البيت الأخضر)- 1966، أو لرواية (محادثة في الكاتدرائية)- 1969، ذلك أن الفضل يعود لهاتين الروايتين في صعود نجم فارغاس يوسا، مقارنة مع (العمة جوليا والناسخ)، لكن هذه الرواية راحت تستحوذ ليس على تقدير النقاد فحسب.
ولكن أيضاً في الوضع النسبي الذي تشغله بين عناوين المؤلف، الذي تمكن، بشكل تطوعي صرف، من كبح انجذابه للقصة الخيالية البحتة والأجناس الشعبية والمسلسلات الروائية، وميله الطبيعي للعب والفكاهة والإيروتية. وهذه الرواية مبنية على مستويين متناوبين، الأول ذو بعد يتعلق بالسيرة الذاتية، بينما يغص الآخر ببراهين وحجج ذات بعد روائي، حيث تكشف ماريو فارغاس يوسا في أفضل لحظات حياته، فرح وجريء وقريب من كتاب، مثل بويغ أو فيزكويز مونتالبان.
وتعتبر رواية (مئة عام من العزلة)، للأديب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، مرجعاً في تاريخ أدب أميركا اللاتينية والأدب العالمي، وقد صدرت في العام 1967. وبيع منها حتى الآن، أكثر من 30
تسلم
انرتي الموضوووووووووع