الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين ..
تمهيـــد
كان موسى رجلا وجيها وقائدا فذا ملهما استطاع أن يقود امة قاسية الطباع كثيرة التردد في مواجهة الأمور قيادة حكيمة راشدة وكان ذا خصائص فذة وصاحب قدرات عالية ومن كان مثله فإنه يتصرف تجاه الآخرين بما يناسب شخصيته تصرفا تلقائيا ولذا فإن ملك الموت عندما جاء يستأذنه في قبض روحه لطمه لطمة فقأت عينه البشريه فقد جاءه في صورة رجل وقد خير موسى بين الإنتقال إلى جوار ربه أو يبقى في الدنيا دهورا طويلة قبل أن يأتيه الموت ولكنه اختار جوار ربه على نكد الدنيا وبلائها واستجاب الله دعاءه فقربه من الديار المقدسة رمية حجر فقبره هناك على مشارف تلك الديار .
نص الحديـــث
روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أرسل ملك الموت إلى موسى عليهما السلام فلما جاءه صكه فرجع إلى ربه فقال أرسلتني إلى عبد لايريد الموت فرد الله عليه عينه وقال: ارجع فقله: يضع يده على متن ثور فله بكل ما غطت به يده بكل شعرة سنة قال: أي رب ثم ماذا ؟ قال: ثم الموت قال: فالآن فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسه رمية بحجر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر) .
وفي رواية مسلم: (جاء ملك الموت إلى موسى فقال له: أجب ربك قال: فلطم موسى عليه السلام عين ملك الموت ففقأها قال: فرجع الملك إلى الله تعالى فقال: إنك أرسلتني إلى عبد لك لايريد الموت وقد فقأ عيني قال: فرد الله إليه عينه وقال: أرجع إلى عبدي فقل الحياة تريد ؟ فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور فما توارت يدك من شعرة فإنك تعيش بها سنة قال: ثم مه ؟ قال: ثم تموت . قال: فالآن من قريب رب . قال: أمتني من الأرض المقدسة رمية بحجر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والله لو أني عنده لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر) .
تخريـج الحديـــث
الحديث رواه البخاري في صحيحه في كتاب الجنائز باب من أحب الدفن في الأرض المقدسة 3/206 ورقمه: 1339 . وفي كتاب أحاديث الأنبياء باب وفاة موسى : 6/440 . ورقمه: 3407 ولم يصرح البخاري برفع أبي هريرة للحديث وصرح به في آخر روايته له في أحاديث الانبياء . قال: وأخبرنا معمر عن همام حدثنا أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ورواه مسلم في كتاب الفضائل باب فضل موسى صلى الله عليه وسلم 4/1842 .
شـرح الحديـــث
أخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن من كرامة الأنبياء على ربهم أنهم يخيرون عند موتهم بين البقاء في الحياة أو الأنتقال إلى الرفيق الأعلى وقد صح في بعض الاحاديث عن عائشة ان الرسول صلى الله عليه وسلم خير فاختار الرفيق الأعلى .
وقد أرسل الله ملك الموت إلى موسى في صورة رجل وطلب منه أن يجيب ربه وكان ذلك إيذانا بأن أجله قد حضر وأن ساعته قد دنت وكان في موسى عليه السلام حدة فما كان منه إلى أن لطم وجه ملك الموت ففقأ عينه أي عينه البشرية التي تمثل بها وإلا فلو كان في صورته الملائكية لما استطاع موسى لطمه وما قدر عليه .
ورجع ملك الموت إلى ربه يشكو إليه ما أصابه من موسى عليه السلام فرد عليه الله تلك العين وأمره أن يعود إلى موسى ويطلب منه أن يضع يده على ظهر ثور ثم يعد الشعرات التي غطتها يده فيكون له بكل شعرة من تلك الشعرات سنة ويكون أجله من السنوات بعدد تلك الشعرات وبذلك ينال حياة مديدة ولو فعل موسى ذلك فمن المرجح أن يكون لا زال حيا باقيا إلى اليوم .
ولكن موسى عندما استعلم من ملك الموت عما وراء تلك الحياة المديدة قال له: الموت . فاختاره من قريب . فما عند الله لرسله وأنبيائه والصالحين من عباده خير وأبقى .
إذا كانت أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في رياض الجنة تأكل من ثمارها وتشرب من أنهارها وتأوي إلى قناديل معلقة في سقف عرش الرحمن فإن حياة الرسل والأنبياء فوق ذلك كله وماذا كان سينال موسى عليه السلام لو بقي حيا إلى يومنا كان سيعاني من مصائب الحياة وبلاياها وسيعاصر تلك الأحداث الكبار على مر التاريخ التي تشغل الفكر وتدمي القلب أو ليس خيرا له أن يكون في الرفيق الأعلى مع الرسل والأنبياء يتقلب في جنات النعيم من أن يبقى في دار الشقاء والبلاء !! .
لقد خير موسى فاختار اختار لقاء الله على حياة مديدة طويلة فما عند الله خير وأبقى والآخرة خير من الأولى .
وقد طلب من ربه عند قبض روحه أن يدنيه من الأرض المقدسة حتى يكون منها رمية بحجر .
وطلب موسى هذا يمثل ما يعتمل في كيانه من محبة للأرض المباركة حتى إنه ليطلب أن يدفن على حدودها قريبا منها ولم يطلب من ربه أن يميته فيها لأنه يعلم أن الله حرمها على الجيل الذي منه موسى عقابا لهم على عدم طاعتهم لربهم عندما أمرهم بدخول الأرض المقدسة التي كتب الله لهم فقالوا: (فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون) [المائدة: 24] وكتب عليهم التيه في صحراء سيناء أربعين سنة .
واستجاب الله دعاء موسى وقد أخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن قبر موسى هناك على مشارف الأرض المباركة عند الكثيب الأحمر وأنه لو كان هناك لأراه أصحابه .
وختاما نحمد الله ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه وصلى الله وسلم على محمد
لاتنسونا من خالص دعائكم
((لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين))
سبحان الله ** والحمد لله
ولاإلـــه إلا الله ** والله أكبر
ْْْ*~سبحانكـ اللهم وبحمدكـ أشهد أن لا إلــه إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك~*ْ
جزاك الله خير بوركت[