لفظ (القضاء) في القرآن
لفظ (القضاء) من الألفاظ المركزية في العقيدة الإسلامية، ويكفينا أن نستحضر في هذا الشأن، أن الإيمان بالقضاء ركن أساس من أركان الإيمان، فلا يتم إيمان العبد إلا بالإيمان بما قضاه الله عليه في هذا الحياة الدنيا.
ومادة (قضى) في اللغة، تدل على إحكام أمر وإتقانه وإنفاذه لجهته.
وسمي القاضي قاضياً؛ لأنه يحكم الأحكام وينفذها.
وسميت المنيَّة قضاء؛ لأنها أمر ينفذ في ابن آدم وغيره من الخلق.
ولفظ (القضاء) ورد في القرآن الكريم في نحو ستين موضعاً؛
جاء في أكثر تلك المواضع فعلاً؛
فجاء فعلاً ماضياً مبنياً للمعلوم في اثنين وعشرين موضعاً، منها قوله تعالى: { وإذا قضى أمرا } (البقرة:117)،
وجاء في تسعة عشر موضعاً فعلاً ماضياً مبنياً للمجهول، منها قوله عز وجل: { وقضي الأمر } (البقرة:210)،
وجاء فعلاً مضارعاً مبيناً للمعلوم في عشرة مواضع، منها قوله سبحانه: { إن ربك يقضي بينهم } (يونس:93)،
وجاء فعلاً مضارعاً مبيناً للمجهول في ثلاثة مواضع، منها قوله تعالى: { ليقضى أجل مسمى } (الأنعام:60)،
وجاء في موضعين فعل أمر، أحدهما: قوله تعالى: { ثم اقضوا إلي } (يونس:71)، وثانيهما: قوله سبحانه: { فاقض ما أنت قاض } (طه:72)،
وجاء بصيغة اسم الفاعل في موضعين، أحدهما قوله تعالى: { فاقض ما أنت قاض }، وثانيهما: قوله سبحانه: { يا ليتها كانت القاضية } (الحاقة:27)،
وجاء في موضعين بصيغة اسم المفعول، أحدهما: قوله تعالى: { وكان أمرا مقضيا } (مريم:21)، وثانيهما: قوله سبحانه: { كان على ربك حتما مقضيا } (مريم:71).
وذكر المفسرون في معنى (القضاء) جاء في القرآن معان عدة، منها:
– الأمر، ومنه قوله تعالى: { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } (الإسراء:23)، أي: أمر، قال ابن كثير : القضاء ها هنا بمعنى الأمر.
– الخبر والإعلام، ومنه قوله تعالى: { وقضينا إليه ذلك الأمر } (الحجر:66)، قال ابن كثير : أي: تقدمنا إليه، وأخبرناه بذلك وأعلمناه به. ونحو ذلك قوله تعالى: { وقضينا إلى بني إسرائيل } (الإسراء:4)، قال الرازي : أعلمناهم إعلاماً قاطعاً.
– انقضاء العبادة والانتهاء منها، ومنه قوله تعالى: { فإذا قضيتم مناسككم } (البقرة:200)، أي: لتذكروا الله عند انقضاء أعمال الحج.
قال البغوي : إذا فرغتم من حجكم، وذبحتم نسائككم.
وعلى هذا المعنى قوله سبحانه: { فإذا قضيتم الصلاة } (النساء:103)، أي: إذا انتهت صلاة الخوف. وقوله عز من قائل: { فإذا قضيت الصلاة }، أي: إذا انتهت صلاة الجمعة، فلا جناح عليكم أن تبتغوا من فضل الله.
– الفعل، ومنه قوله تعالى: { ليقضي الله أمرا كان مفعولا } (الأنفال:42)، أي: فعل ذلك سبحانه؛ لئلا يبالغ الكفار في تحصيل الاستعداد والحذر. ومنه أيضاً قوله سبحانه: { فاقض ما أنت قاض }، أي: افعل ما أنت فاعل، أو فاصنع ما أنت صانع. قال ابن كثير : فافعل ما شئت، وما وصلت إليه يدك.
– الموت، ومنه قوله تعالى: { فوكزه موسى فقضى عليه } (القصص:15)، أي: قتله، قال ابن كثير : أي: كان فيها حتفه فمات. ونحوه قوله سبحانه: { ليقض علينا ربك } (الزخرف:77)، قال ابن عاشور : القضاء بمعنى: الإماتة، وذكر الآية هذه والتي قبلها.
– وجوب العذاب، ومنه قوله تعالى: { وقضي الأمر } (هود:44)، قال البغوي : وجب العذاب، وفُرِغ من الحساب. وقال أبو حيان : وقع الجزاء، وعُذِّب أهل العصيان. ونحو هذه الآية قوله سبحانه: { وقال الشيطان لما قضي الأمر } (إبراهيم:22)، قال القرطبي : يعني: لما وجب العذاب بأهل النار.
استيفاء الأمر وتمامه، ومنه قوله تعالى: { ليقضى أجل مسمى } (الأنعام:160)، قال البغوي : أجل الحياة إلى الممات، يريد استيفاء العمر على التمام. وقال الرازي : معنى القضاء: فصل الأمر على سبيل التمام، ومعنى قضاء الأجل: فصل مدة العمر من غيرها بالموت. وعلى هذا المعنى قوله تعالى: { أيما الأجلين قضيت } (القصص:28)، أي: أتممت وفرغت منه.
– الفصل بين الناس يوم القيامة، ومنه قوله تعالى: { قضي بينهم بالقسط } (يونس:47)، أي: فُصل بينهم، بأن أُدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار. ومنه قوله سبحانه: { إذا قضي الأمر } (مريم:39)، قال ابن كثير : أي: فصل بين أهل الجنة وأهل النار، ودخل كل إلى ما صار إليه مخلداً فيه.
– الخلق، ومنه قوله تعالى: { فقضاهن سبع سماوات } (فصلت:12)، قال الآلوسي : خلقهن خلقاً ابداعياً، وأتقن أمرهن حسبما تقتضيه الحكمة.
– الحتم والإبرام، ومنه قوله تعالى: { قضي الأمر الذي فيه تستفتيان } (يوسف:41)، أي: وجب حكم الله عليكما الذي أخبرتُكما به، رأيتما أو لم تريا. ومنه قوله سبحانه: { وكان أمرا مقضيا }، قال ابن كثير : إن الله قد عزم على هذا، فليس منه بد.
– العزم على الشيء، ومنه قوله تعالى: { إذا قضى الله ورسوله أمرا } (الأحزاب:36)، قال ابن عاشور : إذا عزم أمره.
– الحكم، ومنه قوله تعالى { ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت } (النساء:65)، قال ابن كثير : لا يجدون في أنفسهم حرجاً مما حكمت به، وقال أبو حيان : لا يجدون ضيقاً من حكمك.
– العهد، ومنه قوله تعالى { إذ قضينا إلى موسى الأمر } (القصص:44)، قال البغوي : عهدنا إليه، وأحكمنا الأمر معه بالرسالة إلى فرعون وقومه. وقال الآلوسي : عهدنا إليه، وأحكمنا أمر نبوته بالوحي، وإيتاء التوراة. ونحو ذلك قال الشوكاني.
– الإرادة، ومنه قوله تعالى { وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون } (البقرة:117)، قال ابن كثير : إذا قدر أمراً، وأراد كونه، فإنما يقول له: { كن }، أي: مرة واحدة، { فيكون }، أي: فيوجد على وَفْق ما أراد.
وقال أبو حيان : ومعنى قضى هنا: أراد، أي: إذا أراد إنشاء أمر واختراعه. وهذا المعنى يشهد له قوله سبحانه: { إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } (النحل:40).
والمهم في الأمر، أن هذه المعاني للفظ (القضاء) في القرآن، ليس بالضرورة أن يُحمل عليها ما ذكرناه من آيات، بل إن معنى (القضاء) في الآية الواحدة، قد يحتمل أكثر من معنى،
وبالتالي لم يكن عجباً، أن نرى بعض المفسرين يفسرون لفظ (القضاء) في آية بمعنى، ويفسره آخرون بمعنى آخر. فمثلاً، قوله تعالى: { فاقض ما أنت قاض }،
فسر القرطبي (القضاء) هنا بمعنى: الحكم. وفسره ابن كثير بمعنى: الفعل. وفسره البغوي بمعنى: العمل. وكل هذا لا حرج فيه ما دام المعنى القرآني يقره ولا يأباه.
ومرجع هذا المسلك إلى أن الألفاظ المشتركة – ولفظ القضاء منها –
تعود إلى أصل واحد من حيث المعنى،
أو على الأقل ترجع إلى أصول متقاربة،
ولفظ (القضاء) من هذا القبيل؛ إذ إن جميع معانيه تعود في النهاية إلى معنى انقطاع الشيء وتمامه.
بتصرف من إسلام ويب (موقع المواريث)
وهنا فائدة تتمة لهذا الموضوع:
فالقضاء لغة : هو إحكام الشيء وإتمام الأمر ،
وأما القدر فهو في اللغة: بمعنى التقدير .
وقد يكون القضاء والقدر بمعنى واحد
فالله تعالى يقدر الأشياء في القِدَم ، ويعلم سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده وعلى صفات مخصوصة ، ووقوعها على حسب ما قدرها ، وخَلْقُه لها ، فإذا وقع ما قدره الله كان ذلك قضاء لما قدر.
ولا يوجد دليل واضح في الكتاب والسنة يدل على التفريق بينهما ، وقد وقع الاتفاق على أن أحدهما يصح أن يطلق على الآخر ، مع ملاحظة أن لفظ القدر أكثر وروداً في نصوص الكتاب والسنة التي تدل على وجوب الإيمان بهذا الركن . والله أعلم .
الإيمان بالقدر هو المحك الحقيقي لمدى الإيمان بالله تعالى على الوجه الصحيح ، وهو الاختبار القوي لمدى معرفة الإنسان بربه تعالى ، وما يترتب على هذه المعرفة من يقين صادق بالله ، وبما يجب له من صفات الجلال والكمال ، وذلك لأن القدر فيه من التساؤلات والاستفهامات الكثيرة لمن أطلق لعقله المحدود العنان فيها ، وقد كثر الاختلاف حول القدر ، وتوسع الناس في الجدل والتأويل لآيات القرآن الواردة بذكره ، بل وأصبح أعداء الإسلام في كل زمن يثيرون البلبلة في عقيدة المسلمين عن طريق الكلام في القدر ، ودس الشبهات حوله ، ومن ثم أصبح لا يثبت على الإيمان الصحيح واليقين القاطع إلا من عرف الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا ، مسلِّماً الأمر لله ، مطمئن النفس ، واثقاً بربه تعالى ، فلا تجد الشكوك والشبهات إلى نفسه سبيلاً ، ويمكنكم للتوسع مراجعة الكتب الآتية ففيها فوائد لا تحصى بفضل الله
( القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة للشيخ الدكتور / عبد الرحمن المحمود )
و ( الإيمان بالقضاء والقدر للشيخ / محمد الحمد )
منقول
ونفع بكم
كل الشكرلله ثم لكي
بارك الله فيك أختي