لحجر الأسود هو حجر بيضي الشكل، لونه أسود ضارب للحمرة، وبه نقط حمراء وتعاريج صفراء، وقطره حوالي ثلاثين سنتيمترا، ويحيط به إطار من الفضة عرضه عشرة سنتيمترات، يقع في حائط الكعبة في الركن الجنوبي الشرقي من بناء الكعبة على ارتفاع متر ونصف متر من سطح الأرض، وعنده يبدأ الطواف.عبدالرحمن عبد الواحد
الحجر الأسود وهو حجر الزاوية للكعبة، وقد وضع هناك كشعار أو رمز إلى أن هذا الذي خلّفه إبراهيم والذي رفضه بنو إسرائيل، وقد صار حجر الزاوية في مملكة الله، وتشير إلى ذلك المزامير:
ففي المزمور الثامن عشر بعد المائة حيث يقول: “الحجر الذي رفضه البناء وقد صار حجر الزاوية”.
كان يُنظَر إلى إسماعيل على أن الله قد نبذه، وأن العهد إنما أُبرم مع أولاد إسحاق فقط؛ هذه كانت وجهة نظر اليهود.
هذا على أن داود وإن أشار إلى أن هذا الحجر رمز بأنه هو “الحجر الذي رفضه البناءون”، فقد تحدث عيسى-عليه السلام- في وضوح أكثر وصراحة لا تقبل الإبهام يخبر بني إسرائيل بأن كرامة العنب التي يرمز بها إلى ملكوت الله ستنتزع منهم، وتعطى إلى مزارعين آخرين.
فقد جاء في الإصحاح الحادي والعشرين من إنجيل (متى) “قال لهم يسوع أما قرأتم قط في الكتب: الحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار رأس الزاوية من قِبل الرب، كان هذا وهو عجيب في أعيننا، لذلك أقول لكم: إن ملكوت الله يُنزَع منكم ويُعطَى لأمة تعمل على إثماره”.
فالحجر المرفوض في النبوءة يعني أمةً مرفوضةً، وهو ما وضحه المسيح-عليه السلام-، وإن الأمة المرفوضة ما هي إلا ذرية إسماعيل، وذلك ما وضحه لنا التاريخ، ولا يُوجَد في العالم كل حجر غير مقطوع من جبل بيدين من أيدي البشر سوى هذا الحجر. كما جاء في الإصحاح الثاني من سفر دانيال “لأنك رأيت أنه قد قطع حجر من جبل بلا يدين”.
هذا هو الرمز الذي يرمز إليه الحجر الأسود من أنه حجر الزاوية لحفظ بناء إبراهيم للبيت، والملة التي هي ملة الإسلام “ما كانَ إبراهيمُ يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولكن كان حنيفًا مسلمًا وما كانَ منَ المشركين”.
وصف الحجر الأسود:
هو ذراع وأربع أصابع، وما بينه وبين الأرض ذراعان وثلثا ذراع، وبين الركن والمقام ثمانية وعشرون ذراعًا، وحول الحجر الأسود طوق من فضة مفرغ، وهو يلي الجدر، ويقع الحجر الأسود في الركن الجنوبي الشرقي للكعبة من الخارج، ويرتفع عن الأرض بمقدار متر ونصف وهو أسود اللون ذو تجويف.
وقد أُزِيل الحجر الأسود عن مكانه غير مرة من: “جرهم” “وإياد” و”العمالقة” و “خزاعة”، وآخر من إزالة القرامطة عام 317؛ فقد قلعوه، وذهبوا به إلى البحرين؛ فبقي إلى عام 339؛ حيث أعاده الخليفة العبَّاسي المطيع لله، إلى مكانه وصنع له طوقان من فضة، فطوقوا الحجر بها وأحكموا بناءه.
وفي عام 363 دخل الحرم وقت القيلولة رجل رومي متنكِّرًا؛ فحاول قلع الحجر؛ فابتدره رجل يمني، وطعنه بخنجره فألقاه ميتًا.
وفي عام 414 تقدم بعض الباطنية فطعن الحجر بدبوس؛ فقتلوه في الحال. وفي أواخر القرن العاشر جاء رجل أعجمي بدبوس في يده؛ فضرب به الحجر الأسود، وكان الأمير “ناصر جاوس” حاضرًا فوجأ ذلك الأعجمي بالخنجر فقتله.
وفي آخر شهر محرم عام 1351 جاء أفغاني؛ فسرق قطعة من الحجر الأسود، وسرق أيضًا قطعة من أستار الكعبة، وقطعتي فضة من المدرج الفضي؛ فأُعدِم عقوبة له وردعًا لأمثاله، ثم أُعيدت القطعة المسروقة يوم 28 ربيع الثاني من العام المذكور إلى مكانها، فوضعها الملك عبد العزيز آل سعود بعد أن وضع لها الإخصائيون المواد التي تمسكها والممزوجة بالمسك والعنبر. وأول مَن ربط الركن الأسود بالفضة ابن الزبير لما أصاب الكعبة الحريق، وتصدع ثلاث قطع.
وفي عهد السلطان عبد المجيد الثاني أرسل طوقًا من ذهب وزنه عشر أوقيات رُكِّب على الحجر الأسود بعد أن أُزيلت الفضة وكان ذلك عام 1268، ولم يُعلَم أن الحجر الأسود طُوِّقَ الذهب غير هذه المرة، ويقول الحضراوي: إن ذهب هذا الطوق من كنز وُجِدَ في شعب أجياد بمكة المكرمة.
وفي سنة 1281 أرسل السلطان عبد العزيز العثماني طوقًا من فضة؛ فوُضِعَ مكان الطوق الذي أرسله السلطان عبد المجيد الثاني.
وفي عام 1331 غُيِّرت الفضة المُحاطَة بالحجر الأسود، وذلك في خلافة السلطان محمد رشاد العثماني.
وفي عام 1290 هجرية عُمِلَ له غطاء من الفضة في وسطه، فتحته مستديرة، قطرها 27 سم يرى منها الحجر، ويستلم.
أول من ربطه بالفضة:
كان ابن الزبير أول من ربط الركن الأسود بالفضة لما أصابه الحريق، ثم كانت الفضة قد رقت وتزعزعت وتقلقلت حول الحجر حتى خافوا على الركن أن ينقض، فلما اعتمر هارون الرشيد سنة 189 أمر بالحجارة بينها الحجر الأسود فثبتت بالماس من فوقها وتحتها ثم رفع فيها الفضة، وكان الذي عمل ذلك ابن الطحان مولى ابن المشمعل.
وللحجر الأسود كساء وأحزمة من فضة تحيط به حماية له من التشقق، وهناك روايات غير مؤكدة تقول: إن جبريل -عليه السلام- نزل به من السماء، أو إن هذا الحجر مما كشف عنه طوفان نوح، والمؤكد أن إبراهيم -عليه السلام- وضعه في هذا المكان علامة لبدء الطواف. ويسن تقبيله عند الطواف إذا تيسر ذلك، فإذا لم يتيسر اكتُفي بالإشارة إليه.فضل الحجر الأسود ـ عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: “نزل الحجر الأسود من الجنة، وهو أشد بياضًا من اللبن، فسوَّدته خطايا بني آدم” رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيحـ وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: نزل الركن الأسود من السماء فوضع على أبي قبيس “جبل” كأنه مهاة بيضاء -أي بلورة- فمكث أربعين سنة ثم وضع على قواعد إبراهيم. رواه الطبراني موقوفًا على عبد الله بن عمرو بإسناد صحيح، أي ليس مرفوعًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-. ـ وروى الحاكم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قبَّل الحجر الأسود وبكى طويلا، ورآه عمر فبكى لما بكى، وقال: “يا عمر هنا تُسكب العبرات”. وثبت أن عمر -رضي الله عنه- قال وهو يقبله: “والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبلك ما قبلتك”، رواه البخاري ومسلم.
ـ وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إن مسح الحجر الأسود والركن اليماني يحطان الخطايا حطا”، رواه أحمد في مسنده عن ابن عمر. في ذلك الوادي الذي وصفه الله -تعالى- بأنه “غير ذي زرع” رفع إبراهيم وإسماعيل قواعدَ البيت الحرام، وعيونهما بين لحظة وأُخرى ترمق السماء، ويدعوان الله -تعالى- أن يتقبل عملهما ويجعله خالصاً لوجهه الكريم “وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ” (البقرة: آية 127)، وما إن وصلا ببناء الكعبة إلى المكان الذي شاء الله -تعالى- حتى وضعا الحجر الأسود بجوار الكعبة. أحداث تاريخية حول الحجر
(1) بقيت الكعبة على هيئتها من عمارة إبراهيم -عليه السلام- حتى أتى عليها سيل عظيم انحدر من الجبال، فصدع جدرانها بعد توهينها ثم بدأت تنهدم، فاجتمع كبراء قريش، وقرّروا إعادة بنائها.. وراحت قريش تنفذ ما قررته حتى ارتفع البناء إلى قامة الرجل، وآن لها أن تضع الحجر الأسود في مكانه من الركن، اختلفت حول مَن منها يضع الحجر في مكانه، وأخذت كلّ قبيلة تطالب
بأن تكون هي التي لها ذلك الحقّ دون غيرها، حتى أتي النبي الكريم تي بالثوب، نشره بيديه المباركتين، رفع الحجر ووضعه وسط الثوب، ثمّ نظر إليهم وقال: ليأخذ كبيرُ كلِّ قبيلة بناحية من الثوب. فتقدّم كبراؤهم وأخذ كلّ واحد منهم بطرف من أطراف الثوب، ثم أمرهم جميعاً بحمله إلى ما يحاذي موضع الحجر من بناء الكعبة حيث محمد بانتظارهم عند الركن.. تناول الحجر من الثوب ووضعه في موضعه؛ فانحسم الخلاف، وانفضَّ النزاع بفضل حكمة الصادق الأمين، التي منعت الفتن أن تقع، وحفظتِ النفوس أن تزهق، والدماءَ أن تُراق.
روى الطبري في تفسيره (1/551) والأزرقي في أخبار مكة (1/62) بإسناد حسن أثراً طويلاً عن علي وفيه: “فقال أي إسماعيل: يا أبت من أتاك بهذا الحجر؟ قال أتاني به من لم يتّكل على بنائك، جاء به جبريل من السماء، فأتماه” وله حكم الرفع.
وروى الترمذي (3/226) وأحمد (1/207-229-373) وابن خزيمة (4/220) عن النبي قال: إن الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس الله عز وجل نورهما، ولولا أن الله طمس نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب.
وروى أحمد (1/226) وابن خزيمة (4/221) والحاكم (1/457) عن ابن عباس عن النبي قال: إن لهذا الحجر لساناً وشفتين يشهد لمن استلمه يوم القيامة بحق
شكرا لك ولموضوعك الرائع وللمعلومة المهمة الذي حواها
لك مني كل أحترام وتقدير