الكتور … نظمي خليل أبو العطا
في السطور التالية سنعيش مع بعض الجوانب العلمية في قول ربنا سبحانه وتعالى: (أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ {64} لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ).
قال المفسرون في معاني الكلمات :
ما تحرثون: الذر الذي تلقونه في الأرض
تزرعونه: تنبتونه حتى يشتد ويبلغ الغاية
حطاماً: هشيماً متكسراً لا ينتفع به.
تفكهون: تتعجبون من سوء حاله ومصيره.
في الآيات السابقات من سورة الواقعة يذكرنا الله سبحانه وتعالى ببعض نعمه الجليلة علينا في إنبات الحبوب والبذور ونموها، وإعطائهما الجذور والسيقان والأوراق والمعاليق والأشواك والأزهار والثمار والحبوب والبذور والنشويات والدهون والبروتين والفيتامينات والهرمونات والروائح الشذية والألوان المختلفة، وغيرها من الخصائص النباتية المترتبة على إبنات النبات واشتداده حتى يبلغ الغاية، وأنه سبحانه وتعالى لو أراد بقدرته أن يسلبنا تلك النعمة لجعل كل ذلك حطاماً ولعجبنا أشد العجب من ذلك ولوقفنا حيارى عاجزين .
وفيما يلي سنورد بعض الجوانب العلمية في الآيات التي بين أيدينا، لنعيش في ظلالها ولنرى عظمة الخالق سبحانه وتعالى في إبنات النبات ونموه إلى أن يبلغ غايته لنشكره على نعمه علنيا.
أولاً: الأرض وشقها وتمهيدها للنبات:
إذا نظرنا إلى الأرض الزراعية، التي هيأها الله سبحانه وتعالى لإنبات البذور ونمو النبات لوجدنا العجب العجاب والإعجاز العلمي في هذه الأرض، حيث كانت في البداية صخرية صلدة لا تنبت زرعاً ولا تمسك ماء ولا يقوى النبات على اختراقها، ولكن الله سبحانه وتعالى بقدرته وعظمته وحلمه بعباده، شق هذه الصخور الصلدة وفتتها وجعلها لينة سهلة، يستطيع الجذير الضعيف الرقيق أن يشقها ويخترقها وأن يتوغل فيها، وأن ترفعها الرويشة الضعيفة الناعمة مصداقاً لقول ربنا سبحانه وتعالى: (ثم شققنا الأرض شقاً فأنبتنا فيها حباً ).
ولو شاء الله سبحانه وتعالى لجعل هذه الأرض صلدة قوية غير قابلة للتفتيت أو الذوبان أو التأين، بحيث يعجز الفولاذ أو الماس على قطعها، والأحماض عن إذابتها، والماء عن تشققها، وحينئذ تعجز كل البذور والحبوب عن الإنبات والخروج من التربة والتثبيت فيها والاستفادة بمعادنها وأملاحها. وما كان هناك أي نوع من النبات سواء مائي أو أرضي أو حتى هوائي.
ثانياً: البذور وإنباتها:
الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق البذور والحبوب، وهيأها لحفظ النباتات البذرية، فالبذوره أو الحبة هي الجنين الصغير الناتج من تخصيب حبة اللقاح المذكرة للبويضة المؤنثة، وهذه البذور أو الحبوب هي التي تحمل جميع الصفات الوراثية من النباتات الأبوية إلى الأجيال البنوية وفي هذه البذور أو الحبة كتب الله سبحانه وتعالى بقدرته جميع الصفات الظاهرية والتشريحية والوظائف (الفسيولوجية) للنباتات المستقبلية الجديدة، من المخلوقات يستطيع أن يضع في بذرة أو حبة في حجم نقطة على حرف من حروف تلك الصفحة التي نقرأها، أن يضع فيها شفرة تحمل صفات الجذر ونوعه وتشريحه ووظائفه، والساق وشكله وطوله، وسمكه وتشريحه ووظيفته والأوراق وعددها ونوعها ولونها ونوع الغذاء المدخر فيها، وألوانها وروائحها والثمار ومتى تعقد وحجمها وتركيبها الكيميائي الحيوي.
كل هذه الصفات ومثلها آلاف المرات أودعها الله سبحانه وتعالى تلك البذرة أو الحبة غير العاقلة والصغيرة والتي تحمل من التعليمات الوراثية ما يزيد عن الكلمات الموجودة في الموسوعة البريطانية عشرات المرات وما يعجز القلم عن كتابته في عشرات السنين. فبذرة الطماطم تشابه في شكلها الخارجي بذرة الباذنجان، ولكن هذه تعطي ثمار طماطم ذات لون وطعم وتركيب تختلف تماماً عن ثمار الباذنجان في اللون والطعم والتركيب وبذرة التوت تشابه بذرة الجرجير، وهذه تعطي شجرة توت عملاقة وتلك تعطي نباتاً حولياً صغيراً.
هذه البذور إذا مات جنينها أو دخل في دور السكون (أو الكمون) أو غاب عائله كما في النباتات الزهرية المتطفلة فإنه لا ينبت من فعل هذا؟ أإله مع الله؟! الطبيعة الصماء، والصدف العمياء!! أم أنه الله سبحانه وتعالى رب كل شيء ومليكه، الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.
ولو سلب الله سبحانه وتعالى تلك الصفات من البذور أو الحبوب وحولها إلى حبة رمل هل يستطيع كل الماديين اللادينيين أن يعيدوها إلى طبيعتها الأولى؟
هل لو سخن الجنين حتى مات في البذرة أو الحبة تستطيع أبحاث الدنيا كلها أن تنبت تلك الحبة أو البذرة التي سلبت حيويتها؟
ثالثاً: خروج النبات وتكشفه:
فدائماً الجذير، ثم الجذر يتجه كل منهما نحو التربة والماء حتى ولو زرعنا النبات مقلوباً.
أما الرويشات ثم الساق فيتجهان نحو الهواء ولو حدث العكس لهلك النبات، فالجذر خلق أصلاً لتثبيت النبات في التربة وامتصاص الماء والأملاح منها لذلك فهو ميسر لما خلق له، ويتجه إلى التربة ولكن هناك بعض الجذور العرضية لها وظائف أخرى مثل التسلق والتنفس، مثل نبات القرم (ابن سينا ـ او الشوري) فإن جذوره التنفسية تتجه بعيداً عن التربة وتصعد إلى أعلى طلباً للهواء وتحقيقاً للتنفس، وجذور النباتات الصحراوية عادة تكون طويلة تتعمق في التربة بحثاً عن المياه الجوفية.
أما الساق فهو دائماً يتجه إلى الهواء، لأن مهمته حمل الأوراق والأزهار والثمار بعيداً عن التربة، ووضعها في الوضع الأمثل للقيام بوظيفتها التي خلقها الله سبحانه وتعالى لها. ومع ذلك فبعض السيقان عندما تغيرت وظيفتها تغيرت هيئتها واختلف سلوكها فظلت تحت الأرض مثل الريزومات والسيقان الأرضية الأخرى، من فعل هذا ؟؟؟ أإله مع الله أم أنه الواحد الأحد الفرد الصمد؟
وإذا نظرنا إلى ساق النبات لوجدنا ما يأخذ بألباب العلماء ويجعلهم أشد خشية لله، فالأوراق الخضراء الرقيقة المفلطحة تخرج من الساق المصمت الصلد، وهي تخرج بطريقة منسقة ومنظمة ومرتبة تجعلها في الوضع الأمثل للقيام بوظائفها الحيوية وبحيث لا تحول دون قيام باقي الأوراق على نفس النبات والنباتات المجاورة بوظائفها الحيوية هي الأخرى.
وهذه الأوراق بعضها مفلطح يصل قطره إلى مليمترات وإبرى الشكل وبعضها حرشفي أثري.
وبالأوراق أصباغ لاقتناص الطاقة الضوئية، وثقوب لدخول ثاني أكسيد الكربون وأوعية لتوصيل المياه ومسارات لحمل الغذاء المتكون بالورقة، والورقة أعظم مصنع للطاقة في العالم ولو توقف لهلكت البشرية واختلت جميع النظم الحيوية على كوكب الأرض.
بعض النباتات يصل ارتفاعها إلى 180 متراً ومحيطها 50 متراً والدائرة التي تغطيها أوراق وأغصان تلك السيقان يصل قطرها إلى 600 متر في بعض الأشجار.
ومع ذلك تصل المياه إلى كل برعم على الساق حتى البرعم الطرفي وإذا توقف امداد المياه هلك النبات.
من فعل هذا أإله مع الله؟ الطبيعة الصماء؟ أم أنه تدبير العليم الخبير؟
رابعاً: الأزهار والثمار:
بعد مدة من نمو النباتات الزهرية، تبدأ البراعم الزهرية في إنتاج الأزهار والتي تعطي بدورها الثمار، والثمار من أجمل الأجزاء في النبات مع العلم أن الزهر علمياً عبارة عن ساق من النبات خلق وهي للقيام بعملية التكاثر الجنسي وإنتاج الثمار والبذور، وإذا فشلت معظم النباتات الزهرية في إنتاج الأزهار والثمار والبذور فإن مآلها إلى الهلاك.
فكما قلنا في أول الكلام أن البذرة تحمل جميع الصفات المطلوبة في الأجيال القادمة للنبات الواحد.
وتتحكم في صفة الأزهار العديد من الخواص الحيوية ـ الكيماوية ولولا إنتاج الأزهار والثمار ما كان في الدنيا حبوب ولا بذور وما أكلنا رغيف خبز ولا أنتجنا حبة قمح ولا ثمرة فاكهة.
والأزهار عالم عجيب ومعجز، ألوانها عظيمة ورائحتها غريبة وتركيبها دقيق، ولها سلوكيات غاية في الإتقان، فبعضها يغلق بتلاته ليلاً ويفتحها نهاراً ولها أماكن لتخزين الرحيق وأعضاء غاية في الدقة والأتقان وما يعلمه القاصي والداني عن الأزهار ليس بالقليل.
أما الثمار فهي عالم عجيب مليء بالمواد الغذائية والروائح الزكية والألوان العظيمة وماذا بعد:
ماذا يحدث لو أن الله سبحانه وتعالى أمر بقدرته العمليات الحيوية من تلك النباتات هل نستطيع زرعها وإنباتها.
وماذا يحدث لو أن الله سبحانه وتعالى أمر بقدرته العمليات الحيوية أن تقف، والحشرات والفطريات والبكتيريا والفيروسات أن تهاجم تلك النباتات وأن لا تتكاثر تلك الآفات بجميع المبيدات وأن تستعصي على جميع المقاومات ومنع عنها الماء، وصّلب الأرض وأرسل عليها حاصباً من السماء وجعلها حطاماً، هل تستطيع البشرية بكل علمها أن تنقذها؟ وصدق رب العزة عندما قال (أفرأيتم ما تحرثون. أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون، لو نشاء لجعلناه حطاماً فظلتم تفكهون) صدق الله العظيم ..
بارك الله فيك وجزاك عنا الخير الكثير
تقبل مرووري
أشكر لك جميل مرورك علي الموضوع
أقبلي مني كل أحترام وتقدير