السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
إخوانى واخواتى الكرام
بعد حمد الله عز وجل والثاء عليه بما هو اهله والصلاة والسلام على المصطفى من خيرة خلقه
نقول وبالله التوفيق
تسيطر على حياة كثير من المسلمين اليوم سحابة قاتمة من اليأس، ويشعر طائفة منهم أن الواقع الذي يعيشونه لا مناص لهم منه ولا خلاص. كثير من المسلمين يشعر أن واقعه لا يمكن أن يتفق مع ما يقتنع به، ويتطلع للتغيير، لكنه ما يلبث أن يصل به الأمر إلى اليأس من تغيير هذا الواقع الذي يعيشه.
والأمر يتجاوز ذلك إلى واقع الأمة وواقع المجتمع، فلست اليوم بحاجة إلى أن تقنع أحداً من المسلمين بسوء واقع الأمة وتردي حالها، لكن هذا قد أدى بطائفة من المصلحين، بل طائفة من الغيورين الصادقين إلى أن سيطر عليهم اليأس، وأدركهم القنوط وشعروا أن الأمر قد خرج من طوقهم وإرادتهم.
عوامل اليأس:
إن هذا اليأس الذي سيطر على كثير من المسلمين أدت إليه عوامل عدة، منها:
1. العامل الأول: انتشار الفساد وغربة الدين
من يتأمل واقع مجتمعات المسلمين اليوم يجد أن مظاهر الفساد قد انتشرت في حياتهم؛ فالمنكرات الظاهرة أصبحت معلماً بارزاً وظاهراً في بلاد المسلمي،ن بل أصبح إنكارها تدخلاً في شؤون الآخرين، وأصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً في مجالات وجوانب كثيرة من حياة المسلمين، وبدأ الناس يعيدون قراءتهم للأحكام والنصوص الشرعية لأجل أن يُشعروا أو يُقنعوا أنفسهم بأن هذا الواقع الذي يعيشونه واقع شرعي.
لقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن حال هذا الدين بقوله "بدأ الدين غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء" فانتشار هذا الفساد واستمرار المنكرات وظهورها في مجتمعات المسلمين وحياتهم أدى بفئة كبيرة من المسلمين إلى اليأس من تغير الأحوال، وإلى الشعور بأن هذا الفساد أصبح جزءاً لا يتجزأ من واقع المسلمين وحياتهم .
2. العامل الثاني: اتجاه التغيير وحركته
لئن كان واقع المسلمين اليوم يعاني من الفساد، فالمستقبل لدى الكثيرين لايبعث على التفاؤل؛ فالاتجاه يسير إلى مزيدٍ من الانفتاح على الفساد، ويسير إلى مزيد من الغربة.
3. العامل الثالث: المتغيرات الجديدة
المتغيرات الجديدة تنذر بمستقبل لا يعلم حاله إلا الله عز وجل؛ ففي ظل عصر العولمة وعصر الانفتاح على العالم الآخر ستزول خصوصية المجتمع، وتتضاءل إمكانات المجتمعات المحافظة في السيطرة على أبنائها.
إن مجتمعاتنا اليوم تعيش انفتاحاً على المجتمعات الأخرى، من خلال السفر والاحتكاك بالمجتمعات الأخرى، أو من خلال وسائل الاتصال والمواصلات، لكن هذا الانفتاح وهذا الاتصال سيصبح حسب التوقعات لا شيء بالنسبة لما نحن فيه، سيصبح الإنسان وهو في غرفته في قرية منعزلة ليس بينه وبين أن ينفتح على العالم بكل ما فيه، وأن يتعامل مع أي ثقافة وأي ملة، ويخاطب أي إنسان، وأن يلج أي باب من أبواب الشهوات أو الشبهات، ليس بينه وبين ذلك إلا مجرد ضغطة زر في الحاسب الآلي، ومع اتجاه العولمة والانفتاح ستذوب الفوارق، وستصبح سيطرة المجتمعات ومحافظتها أقل مما هي عليه من ذي قبل، بل ستصبح سيطرتها محدودة في ظل هذا السيل الجارف من الغزو العالمي.
وهذه المخاطر تتمثل في جميع أبعاد العولمة وأذرعتها، فالبعد الثقافي لاتخفى خطورته، و لايقل عنه البعد الاجتماعي الذي ينادي أول مبادئه بالتحرر الاجتماعي، والتخلي عن القيم والأخلاق والروابط الاجتماعية، والأسرة في ثقافة العولمة يمكن أن تكون من ذكر وأنثى، أو تكون من ذكرين أو أنثيين، فأي إنسان حر في أن يختار نوع العلاقة ونوع الأسرة التي ينشئها.
والجانب الاقتصادي سيؤذن بمزيد من الانفتاح على الشركات الأجنبية والعالمية، مما يؤذن بمزيد احتكاك للمسلمين بالآخرين، ولن تكون هناك قيود على حركة الأفراد و السلع، وما يصاحب النشاط الاقتصادي من حركة الإعلان والدعاية التي لا تخلو من قيم ومعان تعكس ثقافة المجتمعات التي نشأت فيها وتمثل قيمها.
آثار الوضع الاقتصادي الجديد على واقع دول العالم الإسلامي وهي تعيش في منظومة دول العالم الثالث آثار مؤلمة، فمن أقرب نتائجها ضعف الفرص التنافسية للمجتمعات والأفراد في ظل هذا الغزو الاقتصادي، وهذه الآثار ستولد متغيرات اجتماعية ثقافية، ومن أخطرها زوال القيود على حركة الثقافة والمطبوعات وما يتعلق بها، كل هذه الأمور تؤذن بتحول وتغير جديد.
ولئن عاشت بلاد الخليج تحولاً مع اكتشاف النفط فإنها تعيش تحولاً لا يقارن مع عصر العولمة، العصر الجديد.
إذا هذا مما يزيد اليأس عند طائفة من الناس، فالواقع فيه فساد، والاتجاه يسير نحو الفساد والمتغيرات المتوقعة في المستقبل تؤذن بفساد أوسع و أكبر.
4. العامل الرابع: مواقع قوى التغيير
رغم تباين قوى التغيير وتفاوتها فإننا نستطيع أن نصنفها في تيارين: القوى التي تريد أن تعيد المجتمعات إلى أصالتها ومنهجها الشرعي، والقوى التي تريد أن تقود المجتمعات نحو الفساد.
وحينما تقارن بين اتجاه وقوى الإصلاح واتجاه وقوى الفساد وماذا يملك هؤلاء من الإمكانات والوسائل وماذا يملك أولئك؟ وما الفرص المتاحة لهؤلاء والفرص المتاحة لأولئك؟ فالأمر ليس فيه مجال للمقارنة، وليس فيه مجال أن توازن بين هذا وذاك، ولا أن تقول إن هذا التيار أقوى أو ذاك، فتيار الإصلاح لا يساوي شيئاً بالنسبة لهذا التيار الجارف.
إذا فرؤية مواقع قوى التغيير تزيد هؤلاء يأساً وتشعر أنه مع هذه المتغيرات، فالقوى التي تدفع المجتمع للفساد هي قوة أكبر وأكثر ضغطاً، بينما القوى التي تشده إلى الأصالة وتريد أن تعود به إلى الأصالة قوى ضعيفة هزيلة.
5. العامل الخامس: إخفاقات الصحوة وأمراضها
قامت الصحوة في وقت لم يكن يتوقع الأعداء أن تقوم فيه ، قامت هذه الصحوة وقدمت خيراً للأمة، وأعادت للأمة الاعتزاز بالإسلام، و أيقظت الشعور بأن الإسلام يمكن أن يحكم حياة الناس في هذا العالم المعاصر، وأحيت العلم الشرعي، وأحيت مظاهر التدين، حتى أصبحت ظاهرة لا ينكرها أحد وقوة اجتماعية لا يستهان بها.
لكن حين يتأمل هؤلاء في واقع الصحوة فإنهم سيجدون تجارب مرت بها الصحوة الإسلامية وأخفقت فيها، سيجدون أمراضاً ومشكلات لم تعد سراً: الخلاف، التفرق، ضعف الوعي، الجيل الذي هو ليس على مستوى الواقع، وليس على مستوى التغيير.
فهذه الأمراض والضعف والإخفاقات تزيد هؤلاء يأساً وإحباطاً.
6. العامل السادس: طريقة التفكير ولغة الحديث
فطريقة تفكير هؤلاء التي دائماً تنظر إلى الجانب المظلم والجانب السيئ، والحديث الذي يتعلق بواقع الأمة غالباً ما يكون حديثاً ناقداً متشائماً، بل حتى الصور الإيجابية يحولها هؤلاء إلى سلبية.
هذه هي العوامل التي أدت إلى بروز ظاهرة اليأس وسيطرتها، والأمر يهون حين يكون الشعور باليأس لدى فئة من عامة الناس، لكن تجد أن هذا اليأس يتسرب إلى فئة ينتظر منهم أن يشاركوا في التغيير، فئة ينتظر أن يكون لهم دور في الإصلاح وتجد أن هذه اللغة تسود وتسيطر في كثير من مجالس الصالحين فلا يكادون يتحدثون إلا عن الأمراض والفساد والانحراف والتغيير الهائل.
إن هذه العوامل والمتغيرات صحيحة ولا إشكال فيها لكن النتيجة التي أدت إليها تحتاج أن نناقشها في هذا اللقاء.
آثار اليأس
شجرة اليأس تثمر ثماراً مرة، منها:
1. أولاً: أن اليأس لا يمكن أن يصنع شيئاً
اليأس لا يدفع للعمل، ولا يحرك ساكناً، ولا يثير همة، بل غاية ما يتركه من أثر على صاحبه أن يبقى ينتظر النهاية الأليمة، لو أن إنساناً في مكان شب فيه حريق وسيطر عليه الشعور بأن ليس هناك مخرج ولا نجاة، فماذا يستطيع أن يصنع؟ إنه لا يصنع شيئاً، لن يفكر، ولن يحتال، بل سيبقى فقط ينتظر الموت والنهاية.
إذن حين يسيطر علينا اليأس، وحين نغرس اليأس في نفوسنا وفي نفوس الآخرين من حيث نشعر أو لا نشعر فإننا لن نصنع شيئاً، إننا قد نتصور أن مزيد التألم على الواقع وأن ارتفاع حدة السخط والتبرم دليل على الغيرة وأن هذا ربما يكون أكثر دافعاً للإصلاح، المؤمن يملك غيرة فيغار لحرمات الله، ويتحرك قلبه إذا رأى المنكرات والفساد، لكن هذا ينبغي أن يقف عند حد معين فإذا تجاوز ذلك وزاد فلا يمكن أن يحرك ساكنا حتى في أبسط المواقف.
إنك حينما نرى شخصاً يقع في منكر وتهم أن تناصحه وأنت يائس تماماً من استجابته فلن تندفع إلى العمل، ولو تجرأت لتناصحه أو تنكر عليه هذا المنكر فغاية ما تقوم به أن تسجل موقفاً، أما أن تعمل وتنتظر التغيير فهذا لا يمكن أن يحصل عند حال اليأس، إذاً فاليأس لا يصنع شيئاً ولا يدفع للعمل.
2. ثانياً: اليأس يقضي على أي اتجاه نحو الإصلاح والتغيير
حينما يفكر الإنسان في التغيير سواءً في واقعه هو أو في واقع أسرته أو في واقع أكبر من ذلك واقع المجتمع، والذي نأمل ونتمنى أن يحمل همه المسلمون جميعاً وأن يشعروا أنهم مسؤولون عن تغييره و قادرون عليه، وحين يسيطر اليأس على الإنسان فإنه لا يمكن أن يفكر في التغيير ولا يمكن أن ينطلق نحو التغيير.
3. ثالثاً: اليائس يثبط من حوله ولا يقف ضرره على نفسه
اليائس دوما يتحدث مع الآخرين بألفاظ مثل: لا أمل، وأنت تتعامل مع واقع محدود، والسيل جارف، والأمر أكبر مما تصور فلا تشغل نفسك بمثل هذه الأمور، انشغل بخاصة نفسك أو انتظر حتى تحدث تغييرات أو أمور أخرى غير محسوبة، واليائس يئد المشاريع والأفكار الطموحة، فحين تنشأ أفكار ومشروعات فيها نوع من الطموح والتميز ويتوقع منها أصحابها أن تنتج وتثمر، هذه المشروعات حين تثار في مجتمع اليائسين فإنها توأد دائماً، فهم ينظرون إلى مواقع الفشل ويتنبؤن بفشل مثل هذه المشروعات وهذه الأعمال قبل نجاحها.
4. رابعاً: اليأس يولد نفسية تفهم الأحداث فهماً خاطئاً يؤثرعلى تفكير صاحبه
اليائس يفترض مخاطر لم تقع أصلاً ويتوهم ذلك، وتتحول الأوهام عنده إلى حقائق وتصبح الأحلام واقعاً ملموساً. هذا على مستوى ما لم يقع.
أما على مستوى الأحداث التي تقع فهو يفهمها فهماً آخر، فهماً يتفق مع نفسيته اليائسة، مع نفسيته التي سيطر عليها الوهن، إنه لا ينظر إلى الأحداث كما هي، لا ينظر إليها نظرة موضوعية أو محايدة، إنما ينظر إليها من خلال نفسيته وطريقة تفكيره، ويبالغ في تصور المؤامرات التي قد حيكت فيخرج بنتائج لا تتفق حتى مع مستوى عقله وتفكيره هو.
قبل أيام سمعت حديثاً من شخص مثقف درس في بلاد الغرب يقول لي إن الإنترنت كلها مؤامرة للتجسس على المسلمين وللدخول على خصوصياتهم ، إلى هذا الحد وهذا المستوى من التفكير، مثل هؤلاء لا يمكن أن يعملوا، ولو عملوا عملوا بروح الفشل والهزيمة والشعور بأن كل صيحة يمكن أن تدور عليهم.
5. خامساً: اليائس يفهم الأحداث المبشرة والخيرة فهماً يتفق مع نفسيته
فهو يشكك في صحة الأخبار السارة أو يهون من شأنها، إنك لو حدثته عن الصحوة وانتشارها فإنك تراه يهون من شأنها ويقول لك إن هذه ظاهرة محدودة وضعيفة وهزيلة، وفيها أمراض وعلل. وحينما تحصل أخبار سارة فهو يبحث لها عن تفسير يتفق مع طريقة تفكيره ويشكك في الدوافع وراء هذه الأحداث التي حصلت.
فتارة يتصور أن هذا استدراج من العدو حينما يعطى مثل هذه الفرص، أو أن هذه مؤامرة يراد من خلالها الانقضاض أو كشف صفوف الأخيار إلى آخره.
6. سادساً: اليائس في تقويمه ينظر إلى السلبيات والأخطاء ويضخمها
الجهد البشري لا يمكن أن يسلم من خطأ سواءً كان على مستوى الأفراد أنفسهم فـ(كل ابن آدم خطاء )كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، والمرء لا بد أن يذنب ولابد أن يقصر والقصور صفة ملازمة للبشر أيا كان وهذا القصور لابد أن يظهر أثره على مستوى المشروعات والمجتمعات، فهي في النهاية نتاج أعمال بشر، و المجتمعات أيضاً هي في النهاية مجموعة من البشر والأفراد الذين يبقى القصور والضعف أمراً ملازماً لهم، ولهذا فإن أي عمل بشري لا يخلو من قصور ولا يسلم من أخطاء ولو تأملت هذا لرأيته في واقعك، فحينما تقوم بمشروع ثم تنهيه وتعود إليه بعد فترة فستجد أنك وقعت في أخطاء، وحينما تكتب مقالة أو كلمة أو تؤلف كتاباً أو تلقي كلمة وتعود مرة أخرى فتقرأ ما كتبته أو تستمع إلى ما تحدثت فستجد فيه أخطاءً وقصوراً، و لو عدت من جديد لتكتب أو لتنفذ هذا المشروع فإنك ستنفذه بصورة غير تلك التي قمت بها، وهذا من شأن البشر وطبيعتهم.
إذن فأي عمل أو جهد بشري لابد أن يكون فيه قصور وسلبيات, واليائسون دائماًَ ينظرون لهذا الجانب المظلم إلى جانب السلبيات ويضخمونه، ويتغاضون عن الإيجابيات ويهونون و يقللون من شأنها.
إن سيطرة اليأس في النهاية ستخرج لنا أفراداً محبطين وغير عاملين، ولا يمكن أن يصنعوا شيئاً، وحين يسيطر اليأس على مجتمع فإن المجتمع سيستسلم ولن يسعى للتغيير، فما لم يقتنع الأفراد بأنهم يستطيعون أن يغيروا واقعهم، ومالم تقتنع المجتمعات بذلك فإن التغيير الذي نريده وننتظره لا يمكن أن يحصل.
كيف نتخلص من اليأس?
1. أولاً: أن ندرك أن اليأس مذموم شرعا وعقلا
إن الناس حين يتخلصون من ضغط الواقع ومؤثراته ويفكرون تفكيراً مجرداً فإنهم يرون أن العمل والتفاؤل أمر لا بد منه، وأنه مهما ساء الواقع فالعمل لابد أن يترك أثره.
واليأس لم يأت في نصوص الشرع إلا في مقام الذم والعيب, بل حين يصل الإنسان اليائس إلى يأسه من روح الله ورحمته فإن هذا من صفات الكافر كما قال الله عز وجل: (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) وهذا حكاه الله عز وجل على لسان يعقوب عليه السلام حينما أوصى بنيه أن يبحثوا عن يوسف بعد تلك السنين الطويلة التي ألقوا فيها يوسف في الجب وتخيلوا أنه قد هلك أو ضاع ، ثم افتقد ابنه الآخر قال: ( يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ).
جميل أن ندرك أن اليأس لا يمكن أن يدفع إلى الأمام، جميل أن ندرك سوء واقعنا سواءً أكان واقعنا الشخصي أو واقع مجتمعاتنا, ومن المهم أن ندرك حجم التحديات التي تواجهنا وحجم المخاطر وحجم الانحراف الذي يصيب مجتمعاتنا، لكن ينبغي أن لا يتجاوز هذا الإدراك حده لأنه لا يمكن أن يدفعنا إلى العمل، بل سيدفعنا فيما بعد للقعود والاستسلام.
حين ندرك أن اليأس مذموم ولا يأتي إلا في مقام الذم والعيب، ندرك أن اليأس لا يدفع للعمل بل يدفع للقعود والتواني والكسل، وسيدفعنا هذا إلى أن نتجاوز حالة اليأس التي نعيشها.
2. ثانياً: الاعتدال في النقد
إن تفكيرنا في أحيان كثيرة تفكير متطرف، فلا نجيد إلا الإعجاب المطلق المبالغ فيه، أو الذم والنقد المبالغ فيه، حينما تقوِّم سلعة وتسأل وتبحث عن آراء الناس فيها تجد أنهم يتفاوتون؛ فمنهم من يقول أنها سلعة متميزة ولا يُعلى عليها ولا يقاس غيرها بها، وتجد من يذمها ذماً مطلقاً، هذا على المستوى المادي ، فما بالك فيما هو فوق مستوى الماديات، فيما يتعلق بإصدار الأحكام على الظواهر الاجتماعية، وعلى الظواهر التربوية وعلى الأفراد والمجتمعات، في هذه الحالة تجد أن الاعتدال تقل مساحته ويزداد تطرفاً سواء أكان في هذه الزاوية أو تلك، فكلا الطرفين قصدٌ ذميم، التطرف هنا أو هناك أمر مذموم والنقد مطلوب حتى نصحح واقعنا كأفراد ونصحح واقع مجتمعاتنا، فلابد من النقد حتى يؤدي دوره وثمرته، فإما أن ننتقد أنفسنا نحن وإما أن ينتقدنا الآخرون، لكن النقد ينبغي أن يكون بموضوعية واتزان فحينما نبالغ في النقد ويتجاوز النقد حده فإن هذا الأمر سيؤدي إلى اليأس.
جيئ برجل يشرب الخمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجلد فسبه رجل، فقال صلى الله عليه وسلم :"لا تعينوا الشيطان عليه" العقوبة التي يستحقها أخذها وهي الجلد فحينما يذمونه ويعيبونه ويلعنونه، فإن هذا سيجعل الشيطان يتسلط عليه أكثر.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يُثَرِّب عليها" أي لا يجمع عليها بين العقوبة الشرعية وعقوبة أخرى.
هذا على مستوى الأفراد، أما على مستوى المجتمعات فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المبالغة في ذلك فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم". قال الإمام الخطابي رحمه الله: "معناه: لا يزال الرجل يعيب الناس ويذكر مساوئهم ويقول فسد الناس وهلكوا ونحو ذلك، فإذا فعل ذلك فهو أهلكهم، أي أسوأ حالاً منهم بما يلحقه من الإثم في عيبهم والوقيعة فيهم، وربما أداه ذلك إلى العجب بنفسه ورؤيته أنه خير منهم والله أعلم".
3. ثالثاً: النظر في السنن الربانية
وهذا الأمر أمر مهم، من ذلك أن تنظر أن هذا الدين جاء من عند الله تبارك وتعالى وهو الذي له الخلق وله الأمر وهو الذي خلق الناس وهو أعلم بهم، بل هو تبارك وتعالى أعلم بالناس من أنفسهم (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) ، وقد شرع الله تبارك وتعالى لهم هذا الدين، ولم يشرع للناس إلا ما يطيقونه, وهذا يقودنا إلى نتيجة بدهية وهي أن كل ما أمرنا الله عز وجل به فهو مما نطيق فعله، وأن كل ما نهانا عنه تبارك وتعالى عنه فهو مما نطيق تركه والتخلي عنه، ولو عشنا فترة وألفنا واقعاً سيئاً في ذوات أنفسنا، كمنكر أو معصية داومنا عليها وتخيلنا أنها أصبحت جزءاً منا فهذا من كيد الشيطان وتلبيسه، و إلا فما دام الله تبارك وتعالى قد نهانا عنها وحرمها علينا وكلفنا تبارك وتعالى بالتخلي عنها فنحن نطيق أن نتجنبها ابتداءً ونطيق أن نتخلى عنها حينما نقع فيها، هذا على مستوى الأفراد.
وعلى مستوى المجتمعات أخبر صلى الله عليه وسلم أن كل نبي كان يبعث إلى قومه خاصة أما هو صلى الله عليه وسلم فبعث إلى الثقلين الجن والإنس عامة فهو صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء ورسالته خاتمة الرسالات و شريعته خاتمة الشرائع ، ومن منزلة هذه الأمة وكرامتها أن الأمم السابقة كانت تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي كما قال صلى الله عليه وسلم، أما هذه الأمة فليس فيها إلا نبي واحد، لكن فيها طائفة منصورة إلى قيام الساعة.
وجعل الله هذا الدين رسالة وشريعة لهذه الأمة الخاتمة إلى أن تقوم الساعة، وهذا يعني أن البشرية تستطيع أن تقيم حياتها على أساس هذا الدين في كل الظروف وكل المتغيرات منذ أن بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن تقوم الساعة ، وتستطيع أن تستوعب كل المتغيرات الجديدة وتقيم حياتها على هذا الدين وإلا لم يكن هذا الدين ديناً خاتماً ولم تكن هذه الرسالة رسالة خاتمة.
وهذا يعني أن المسلمين قادرون على أن يلتزموا بدينهم، وأن يقوموا بهذه الرسالة التي حملهم الله إياها وهم خير أمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، يقودون البشرية للهداية.
حينما نفكر ونتمعن في هذه القضية البدهية فهذا يقودنا إلى هذه النتيجة: أن هذه الأمة بل إن البشرية كلها يمكن أن تستقيم على هذا الدين في ظل أي متغير وأي عصر وأي ظرف، وأنه لا يمكن أن يتعارض ذلك مع التقدم العلمي والتقني.
ويسعدني انني اول من رد على موضوعكي
اليأس هوعباره عن هواء يتنفسه الانسان يدخل فى اعماق جسمة ويمشى فى شرايين دمه ولا حياه بدون ياس ولا لحظة فر الا وتقابلها لحظه ندم ولاسعادة بدون حزن ومن الذى يفوز فى النهايه /الياس والندم والحزن/الفرح السعادة والامل *مارايك لوكنت لم ارى السعاده وكانى اعمى
ربما تجربنا متاعب الحياة وهمومها على ان نيأس منها واحيانا نشعر بأن كل الأبواب مقفلة في وجوهنا ولا نجد مخرج او منفذ فيزداد اليأس ولكن حينها علينا أن نتذكر رحمة الله بنا وفرجه واستجابته لدعائنا فلا تيأسوا من روح الله ولا تقنطوا من رحمته وعليكم بذكر الله