محمد علي كشف عن اثار الرصاص في جسده
لندن _ " القدس " روت صحيفة "ذي تايمز" البريطانية حكاية شاب سوري احتجزته ميلشيات النظام السوري على حاجز في الطريق الى حلب لمجرد انه من بلدة تخضع لسيطرة الثوار. فكان من بين 21 شخصا اخرين اصطفوا امام فرقة الموت، وكان يفترض ان يلقى حتفه الا انه كان الوحيد الذي نجا. كيف حدث ذلك، هو ما رواه لمراسل الصحيفة مارتن فليتشر، الذي كتب تقريرا نشرته الصحيفة اليوم، هذا نصه:
عثرنا على محمد علي بالصدفة. فهو يعمل في محطة للبترول في بلدة ريهانلي التركية على الحدود السورية. ينام في غرفة خلف المحطة على الارض. ومظهره كان مثار دهشة لكن حكايته كانت اغرب من ذلك.
اذ كان من بين 21 رجلا اصطفوا واطلقت عليهم فرقة الموت النار قرب مدينة حلب الصيف الفائت – وكان الناجي الوحيد ليروي ما جرى.
تحلق الزبائن وزملاؤه في العمل وقد تسمرت انظارهم وارخوا سمعهم صباح امس عندما جلس في مقهى المحطة يستعيد كيف انه غافل الموت على ايدي نظام الرئيس الاسد. قال: "كانت معجزة".
يعمد الجنود السوريون الى اعتقال المدنيين وتصفيتهم من دون اية محاكمات او تهم
"عندما افكر فيما حدث، فانني لا اجد اي تفسير الا ان الله لم يقرر لي ان اموت بعد. اذ لم تكن ساعتي قد أزفت".
كان محمد (29) قبل الثورة يعمل حائكا للملابس في بيروت، الا انه في آب (اغسطس) الماضي عاد الى موطنه – الى البلدة الثائرة حاريثان، التي لا تبعد الا بضعة اميال الى الشمال الغربي لمدينة حلب، ليحيي شهر رمضان فيها.
ذهب في 22 آب الى المدينة لشراء بطاقة لهاتقه النقال، لكن بلطجية شبيحة النظام اوقفوه عند نقطة تفتيش في ميدان صيدالله، وعندما ابلغهم انه قدم من حاريثان، احتجزوه.
نقل الى صندوق احدى السيارات التي اوصلته الى قاعدة قريبة للمخابرات، واحتجز في زنزانة صغيرة بلا نوافذ في قاع المبنى مع احد عشر اخرين – بينهم اثنان من ابناء عمومته في الثالثة عشرة من العمر. وكان احدهما قد احتجز بعد ان تبين للمخابرات ان علم الثورة مسجل على هتفه النقال. بينما اعتقل الاخر في الطريق لا لشيء الا لانه صغير السن.
احتٌجزوا في الزنزانة لثلاثة ايام معصوبي الاعين ومربوطي الايدي ومن دون طعام او ماء. لم يوجه اليهم اي سؤال ولم يحقق معهم. وقيل لهم في الليلة الثالثة انهم سينقلون الى سجن آخر. واخذتهم سيارة مع سجناء اخرين – مجموع عددهم 21 شخصا – الى مكان بعيد، وعيونهم لا تزال معصوبة.
بعد عشرين دقيقة توقفت السيارة، وصدرت الاوامر لهم بالخروج منها والبنادق موجهة اليهم، واجبروا على الركوع، جنبا الى جنب، في صفين اثنين.
كان محمد الاخر في صفه. وأمكنه ان يدرك من الصمت الذي يلف المكان انهم في ارض فضاء. "احسست ان هذا الموقع مكان لقتل الافراد"، حسب قوله، وبدأ يتلو الشهادة.
شعر بهدوء غريب يتسلل الى نفسه، وقال "ما كان يشغل بالي هو ان عائلتي لن تعثر على جثتي لانهم سحبوا منا بطاقات الهوية والخواتم وكل شيء أخر". بعدها اغمي عليه، سواء كان ذلك بسبب الخوف او النقص في التغذية ولم يعد يتذكر شيئا مما حدث بعد ذلك.
عندما عاد الى وعيه وقد اصيب بخمس رصاصات، وجد انه لا يزال حيا. السجانون غادروا الموقع. ورغم الظلام فقد شاهد رفاقه السجناء وقد وقعوا على الارض وان ظلوا جنبا الى جنب وقد أصيب معظمهم بطلقات في رؤوسهم. تفحص خمس او ست جثث، وكانوا جميعا قد فارقوا الحياة، وتجمدت دماؤهم في الرمال.
قال "كنت محظوظا للغاية. اشكر الله. لعل الاغماء هو الذي انقذ حياتي. اعتقدوا انني مت".
عندما وصل محمد الى هذه المرحلة من حكايته، وقف وازال قميصه، حيث ظهر ندب احدى الرصاصات التي دخلت الى صدره وخرجت عبر كتقه الايمن. كما كشف عن ندب بسبب رصاصة اخرى فوق ردفه الايمن. واظهر اثار رصاصتين وخامسة خرقت شحمة الاذن.
واصل حديثه فقال ان الدماء كانت تغطي جسده، الا انه لم يتعرض لكسر في العظام ولم يشعر بألم. لم يلبث وهو يشعر بالخوف من ان يشاهده احد وان يعيد القاء القبض عليه، ان أطلق ساقيه للريح متحاشيا الشوارع الى ان وصل الى احدى القرى. لم يكن يدري ما اذا كانت موالية او مناهضة للنظام، لكنه طرق الباب، وقال للرجال هناك انه اصيب بطلقات نارية من لصوص. نقلوه الى مستشفى في حلب وكانت الساعة قد قاربت الثانية صباحا، فاقترض هاتفا نقالا للاتصال بشقيقه الذي وصل في حوالي السادسة صباحا وحمله الى منزله. من هناك تمكن الجيش السوري الحر من تهريبه شمالا الى تركيا، حيث عولج في احد مستشفيات كيليس.
لم ينعم محمد بالنوم لعدة اشهر منذ هروبه. ولا يزال يعاني من فقدان السمع في اذنه اليسرى. ويملأه الاسى على رفاقه السجناء، الا انه تعافى مما سواه.
ولا يمكن لاحد ان يحسده على حياته اليوم. فهو لا يرغب في العودة الى سوريا، وقال ان "الوطن الذي اعرفه اصبح دمارا". ولا يستطيع العودة الى بيروت، فالنظام سحب جواز سفره. وقد انتقل قبل شهرين الى ريهانلي لان له اقارب يعيشون فيها.
قبل احد عشر يوما تبين للاطباء ان هناك رصاصة لا تزال في جسده، فاجروا له عملية لاخراجها، وقد اطلعنا عليها. وقال انه كان يؤمن وهو في بيروت بما تنشره الدعاية التي يبثها الرئيس الاسد عن الثوار بانهم "ارهابيون"، وكان يرفض كل ما يقال عن اعمال القتل الجماعي التي يرتكبها النظام رغم انه شاهدها على شاشات الجزيرة.
وقال: "انني اليوم لا أجد الكلام المناسب لوصف شعوري تجاه النظام. انني امقتهم. واشعر ان قلبي يدمي وليس عيوني هي التي تفيض دمعا وحدها. ليت ما حدث لي يحدث لهم. اريد ان اراهم في صفوف متراصة ويطلق عليهم الرصاص".