تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » ليو تولستوي

ليو تولستوي 2024.

  • بواسطة

ليو تولستوي (Leo Tolstoy)
(1828-1910)
يعد الكونت ليو تولستوي من أعظم العباقرة المعاصرين. ففضلاً عن كونه أديباً روائياً، تعد أعماله من روائع الأدب العالمي، ينظر إليه الكثيرون على أنه مفكرٌ، وفيلسوفً، ومصلحً اجتماعي.
ولد ليو تولستوى في التاسع من سبتمبر عام 1828، في ضيعة صغيرة تمتلكها عائلته الأرستقراطية، يطلق عليها ياسنايا بوليانا (Yasnaya Polyana) تقع بالقرب من مدينة موسكو، من أعمال روسيا القيصرية.
توفي والداه عندما كان صبياً صغيراً، وتولت خالاته تربيته. وقد تلقى تولستوي تعليمه الأولي، على يد مدرسين خصوصيين أجانب. وفي عام 1844، التحق تولستوي بجامعة كازان (University of Kazan) . إلا أنه سرعان ما ضَجِر من الطريقة، التي يشرح بها أساتذته الموضوعات العلمية، فترك الدراسة، قبل أن يتخرج، وعاد إلى مسقط رأسه عام 1847.
وبدأ تولستوي يعلم نفسه بنفسه. فصار يقضي الساعات الطوال، ينهل من مصادر العلم والمعرفة. وعن هذه الفترة من حياته، كتب تولستوي ثلاث روايات هي: الطفولة (Childhood)،والصبا (Boyhood)، والشباب (Youth).
وفي عام 1853، وعمره خمسة وعشرون عاماً، تطوع تولستوي في الجيش الروسي، العامل في منطقة القوقاز واشترك في حرب القرم، في الفترة ما بين عامي 1853 و1856. وأظهر تولستوى شجاعة فائقة في معركة عرفت باسم معركة "سيفا ستوبول" (Battle of Sevastopol). وعلى الرغم من شجاعته، كره تولستوي الحروب، وكره تشبيه قادة الحروب بالأبطال. وقد كتب قصة "القوزاق" (The Cossacks) عام 1863، واصفاً فيها تجربته أثناء المعارك الحربية. وفي القصة، يُكنُّ الأرستقراطي المهذب، أوليفيه (Olevia)، وهو الشخصية المحورية في القصة، كل الإعجاب لحياة الحرية والتوحش التي تحياها قبائل القوزاق (Cossaks).
وبعد أن ترك الجيش، سافر تولستوى في عدة رحلات إلى غرب أوروبا، عكف فيها على تعلم أساليب التدريس، وطرق التربية. وعند عودته إلى ضيعته، افتتح مدرسة لأولاد الفقراء، كان التعليم فيها معتمداً على الأساليب التربوية السليمة، التي تعلمها تولستوي خلال رحلة حياته. ولتعميم طريقته في التدريس، ونقلها إلى مناطق أخرى من روسيا، أصدر تولستوي دورية علمية أسماها باسم مسقط رأسه، "ياسنايا بوليانا".
أعماله الأدبية
تعد رواية "الحرب والسلام" (War & Peace)، بحق، أروع ما كتب تولستوي من أعمال. وقد نشرت كاملة، في شكلها النهائي، عام 1869، وهي تحكي التسلسل التاريخي لحياة خمس أسر روسية، تمر بخضم التجارب الإنسانية، ومراحل الحياة المختلفة، التي طالما استهوت تولستوي، وهي: الولادة، والنمو، والنضج، والزواج، وإنجاب الأطفال، وتقدم العمر حتى الكهولة والشيخوخة، وأخيراً الموت.
كما تُعد الحرب والسلام، رواية تاريخية، تصف الأحداث السياسية والعسكرية، التي كانت أوروبا مسرحاً لها، إبان الفترة من عام 1805 إلى عام 1820، وهي تُلقي بظلالها، بصفة خاصة، على غزو نابليون لروسياعام 1812.
وفي هذه الرواية أعلن تولستوي، رفضه القاطع لنظرية تخليد التاريخ للرجل العظيم. فيذهب إلى أن الشخصيات العظيمة، أو الأبطال، ليس لهم بصمات مؤثرة على مجريات أحداث التاريخ، كما يعتقد بعض الناس.
ثم نُشرت التحفة الثانية رواية "آنا كارنينا" (Anna Karenina) ، مسلسلة من عام 1875 إلى عام 1877. وتدور الرواية حول خيانة أميرة روسية "آنا" لزوجها "كارنين". وتتأمل الرواية، العلاقة الرومانسية بين آنا والكونت فيرونسكي (Vronsky)، حيث يبدي كل من آنا والكونت ازدرائهما التام، لأفكار الطبقة الأرستقراطية الراقية، التي ينتميان إليها. وتأتي نهاية الرواية بانتحار البطلة، نتيجة الصعوبات الكبيرة، التي واجهت ارتباطها بمن أحبت.
ولكن رواية آنا كارنينا، لم تكن فقط قصة حب، تحوي عناصر مأساوية، بل كانت سرداً لأغوار القضايا الاجتماعية والفلسفية والأخلاقية لروسيا القيصرية، وطبقتها الأرستقراطية. وذلك في سبعينيات القرن التاسع عشر. وتشمل هذه القضايا التصرفات المرائية للطبقة الراقية، تجاه الخيانة الزوجية، ودور الإيمان العقائدي في حياة البشر. وتُطرح الرواية عدداً من هذه القضايا من خلال أفكار وأفعال ليفين (Levin)، وهو الشخصية المحورية الثانية في الرواية، والذي يعبر، في الوقت ذاته، عن أفكار وآراء تولستوي.
بدأ تولستوى، بعد ذلك، رحلة فكرية يتدبر فيها الحياة، ومعناها، والهدف منها. فوضع كل تساؤلاته، وحيرته، وعذابه، في رواية جديدة أسماها "اعترافاتي" (My Confession)، نشرت عام 1882.
واصل تولستوى تأمله في الوجود، ملقياً وراءه كل اعتراضات الكنيسة الروسية على هذا الاتجاه الفلسفي، وكتب مؤَلفاً يعبر عن رأيه، أطلق عليه "مملكة الله مقرها داخلك" (The Kingdom of God is Within you). واعتقد تولستوى أنّ على الإنسان، أن يسعى لاكتشاف أوجه الخير داخله، ولا ينتظر من يُظهرها له. وكان يعتقد أن العنف سلاح الضعيف، الذي لا يملك حجة. أما التسامح، والنقاش الهادئ، القائم على احترام المبادئ، فهو القوة الحقيقية وهو الذي يجب أن يسود.
وفي عام 1898، كتب تولستوي "ما هو الفن"؟ (What is Art?)، وفي هذا الكتاب، وضع نظرية "الفن للحياة"، التي تضفي على الفن بعداً دينياً أو أخلاقياً أو اجتماعياً. وبهذه المعايير، حكم تولستوي، بنفسه، على معظم أعماله الأولى، بأنها "فن أرستقراطي"، كتبت بغير غرض، وبأنها كانت بعيدة عن إدراك وفهم، الإنسان البسيط.
ثم بدأ تولستوى في كتابة أعمال روائية جديدة، تناولت معنى الحياة. وفيها، كان أبطاله من الفقراء البسطاء، بدلاً من النبلاء والأمراء، الذين طالما كتب عنهم من قبل. ففي عام 1886، نشر تولستوى قصة بعنوان "وفاة إيفان أليش" (The Death of Ivan Ilyich)، وفيها حكى قصة فلاح فقير، سقط فريسة لمرض مميت، وبينما هو في سكرات الموت، بدأ يستعرض حياته، وكم كانت فارغة من الأعمال الجيدة.
وتأتي رواية "البعث" (Resurrection)، كأعظم أعمال وإنجازات الفترة الأخيرة من حياة تولستوي، وهي قصة امرأة أُخذت بجريمة لم ترتكبها، ورجل نبيل ينشد التكفير عن خطاياه.
وتأتي بعدها رواية "الشيطان" (Devil)، عام 1898، وهي تركز على الحب والغيرة والجانب المدمر للغريزة الجنسية. ورواية "الحاج مراد" (Hadji Murad)، التي نشرت بعد موت تولستوي، وهي تحكي قصة زعيم إحدى القبائل في جبال القوقاز. وفي هذه الرواية يسطع نجم تولستوي، مرة ثانية، بوصفة محللاً نفسياً قديراً، وأديباً قلما جاد الزمن بمثله

تولستوي وزوجته
وفي عام 1862، تزوج تولستوى، سونيا بيرس (Sonya Behrs)، وعاشا معاً حياة ملؤها الحب والسعادة. فقد تزوجا بعد حب مشتعل، وكانت سونيا في السابعة عشرة من عمرها، وتولستوي في الرابعة والثلاثين، وقد بلغ درجة عالية من الشهرة والنجاح الأدبي.
وعقب سنوات الزواج الطويلة، كانت حياتهما تنتقل من نجاح إلى نجاح، ومن تألق إلى مزيد من التألق، خاصة بعد أن أصبح تولستوي، واحداً من الأدباء المعدودين في عصره، وأصبح شخصية عالمية مرموقة، يقصدها الناس من كل بلاد الدنيا، طلباً للتعرف عليه والتعلم منه، وفهم أفكاره الإنسانية العظيمة.
وكانت سونيا، كما قال عنها تولستوي، "زوجة مثالية". فقد ولدت له ثلاثة عشر طفلاً، مات منهم ثلاثة. فقد كان تولستوي، مثل سائر الفلاحين، يحب كثرة الأولاد. ومن ناحية أخرى، كانت سونيا متعلمة ومثقفة، إذ تخرجت في جامعة مرموقة، إضافة إلى إجادتها عدة لغات غير الروسية، شأنها في ذلك شأن بنات الطبقات الأرستقراطية، فقد كانت تجيد الفرنسية والألمانية والإيطالية والإنجليزية. وخلال السنوات التي سبقت زواجها، نشرت سونيا بعض الكتب الأدبية من تأليفها. وبعد زواجها من تولستوي، استخدمت إمكاناتها الثقافية في مساعدة زوجها، العبقري الفنان، الذي قال عنها إنها "الزوجة المناسبة تماماً للكاتب". فقد كان يملي عليها مؤلفاته، وكانت من جانبها تبذل جهداً كبيراً لنسخ مسوداته وإعدادها للنشر، وكان تولستوي يستشيرها في تصويره لبعض شخصياته النسائية، فكانت تقدم له ملاحظات دقيقة وثمينة، يستفيد منها في رواياته المختلفة.
واستمر الأمر بين الزوجين على هذه الصورة المثالية، من التفاهم والتعاون والسعادة المشتركة. ومضت الحياة بهما في جو من البهجة لمدة تقارب أربعين عاماً. ثم جاءت المأساة بعد أن بلغ تولستوي، السبعين من عمره.
فقد ضج تولستوى بحياته، فتنازل عن ضيعته لأقاربه، وعن أرباح كتبه لزوجته، وارتدى ثياب الفقراء وعاش في الحقول المحيطة ببلدته يكسب مما تعمل يداه. وفي ذلك الوقت، بدا صيت تولستوى في الذيوع بوصفه فيلسوفاً ذا مبادئ جديدة، وبدأ الناس يبحثون عنه لمعرفة مزيد عن رؤيته في الحياة والأحياء. ولم تقبل الكلية آراءه، فكفرته وأبعدته عنها.
وخلال حياته في الحقول، التف حوله عدد من تلاميذه، الذين آمنوا بفنه، وأخذوا يساعدونه على تنفيذ أفكاره. ودارت معركة طاحنة بين هؤلاء التلاميذ، وبين سونيا زوجة تولستوي. فقد كانت تتهم تلاميذ زوجها، بأنهم منافقون ولصوص، يريدون السطو على ثروة زوجها العبقري، والقضاء عليه للاستفادة مما يمكن أن يتركه لهم، بعد أن أصابته رغبة عاصفة في الاستغناء عن كل ما يملك.
وبدأت سونيا تكتب مذكراتها الخاصة، تشكو فيها من هذا الزوج المجنون، ومن تلاميذه المنتفعين به على حسابها وحساب أولادها وسعادتها العائلية. وتحول بيت تولستوي إلى جحيم. فأخذت الزوجة تقاتل بكل قوتها لحماية ممتلكات الأسرة، وانتزاع زوجها من الحالة التي صار إليها، ومن إصراره على العمل بيديه ولبس الملابس الخشنة، والنوم في أكواخ الفلاحين، والمحاولات المستمرة لإعطاء كل ما يملكه، بغير مقابل، للآخرين.
وأمام هذا الصراع الحاد العنيف، غادر تولستوي بلدته، ذات يوم، مستقلاً قطاراً، بلا هدف واضح، وأصر على أن يركب في عربة الدرجة الثالثة المزدحمة، بما شكل خطراً كبيراً على صحته، إذ كان قد تجاوز الثمانين من عمره. وبالفعل، أصيب تولستوي بالتهاب رئوي حاد.
وما لبثت سونيا أن عرفت مكانه ثم لحقت به حيث نقله تلميذه الذي كان يرافقه، وطبيبه الذي أصر على البقاء معه، إلى مكان متواضع في إحدى محطات السكك الحديدية، وهناك لحقت بهما أيضاً ابنتهما الكسندرا. ووصلت الزوجة إلى المكان الذي يرقد فيه زوجها، وأرادت أن تراه، ولكن الجميع، بما فيهم ابنتها، منعوها من ذلك.
وفي العشرين من نوفمبر عام 1910، مات تولستوي، متأثراً بالالتهاب الرئوي الذي أصابه. وكانت آخر كلماته: "… لقد انتهى كل شئ، تلك هي النهاية، وهذا لا يهم". بعد أن بلغ من العمر 82 عاماً.
أما زوجته فقد عاشت بعده لسنوات طوال، تدافع عن نفسها ضد اتهامات الناس لها، بأنها كانت مصدراً للعذاب الكبير، الذي تعرض له زوجها العبقري العظيم، في آخر حياته.

تولستوي في مواجهة الحقيقة..
منهاج حياة..
ولد الكونت تولستوي سنة 1828، لأسرة من كبار النبلاء الإقطاعيين، ذات ثراء هائل عريق.. وفي السنة الثانية من عمره توفيت أمه، وسرعان ما تبعها والده الذي كان مدمناً على الكحول، فتكفل به أقاربه، ونشأ في سعة من العيش ورغد.. وفي السادسة عشرة التحق بجامعة (كازان) لكنه لم يلبث أن ضاق بمناهجها الدراسية ذرعاً فقرر أن يكمل دراسته في بيته، معتمداً على نفسه.. وما هي إلا سنوات معدودات، حتى أتقن عدة لغات، واستوعب العلوم الطبيعية والاجتماعية والرياضيات والموسيقى والفن التشكيلي والطب- بشقيه النظري والعملي- والزراعة.. وبهذه الثقافة الموسوعية وبموهبة أدبية فياضة، بدأ تولستوي حياته الأدبية بثلاثة كتب متتابعات: (الطفولة) ثم (الصبا) ثم (الشباب).. وألزم نفسه باتباع قواعد صارمة (لإصلاح عيوبه أولاً، ثم لإصلاح الآخرين). فكتب في مذكراته: (كن طيباً، واحرص على أن لا يعرف أحد أنك طيب لئلا يعتريك العجب، وابحث عن الجانب الطيب في كل من تعامل من الناس، وإياك أن تفتش عن الجانب السيىء فيهم، وقل الحق دائماً ولا سيما على نفسك!).

السؤال العنيد..
كان السؤال الذي يؤرقه باستمرار: ما هو الهدف من حياة الإنسان؟. وطفق يبحث في طبائع البشر وفي الكائنات.. فوجد ان كل شيء في الكون ينمو ويتطور ويسعى لتحقيق غاية كلية قد لا تدركها العقول إلا بعد حين.. واستنتج أن الهدف من الحياة، إذن، هو (العمل الدائب لتوفير كل المؤهلات التي تتيح لهذا التطور الشامل أن يحقق غايته.) وأيقن أن ذلك لا يمكن أن يتم إلا بالجدية المطلقة والنظام الصارم. قال في رسالة إلى أحد أصدقائه (على المرء إذا أراد أن يعيش بشرف وكرامة أن يتمزق بقوة، وأن يصارع كل المثبطات، فإذا أخطأ بدأ من جديد، وكلما خسر عاود الكفاح من جديد، موقناً أن الإخلاد إلى الراحة إنما هو دناءة روحية وسقوط!). وكان يبكت نفسه بشدة إذا أحس منها تهاوناً أو تراجعاً.. قال في مذكراته، وهو في العشرين من عمره: (لم أفعل شيئاً. كم يعذبني ويرعبني إدراكي لكسلي! إن الحياة، مع الندم، محض عذاب! سأقتل نفسي إذا مرت علي ثلاثة أيام أخرى دون أن أقوم بفعل شيء ينفع الناس!).

عقبة في الطريق..
وكبر الفتى وكبرت معه آلامه: لقد انتقلت إليه ملكية أراض شاسعة وفيرة الإنتاج، وتزوج من فتاة أرستقراطية مرفهة تدعى (صوفيا أندريفينا) وأنجبا عدة أبناء. وكان يرى إلى الفلاحين يكدحون في أرضه كي يزداد ثراء، أما هم فلا ينالون إلا ما يسد الرمق ويبقيهم أرقاء!. ويرى إلى المرأة الريفية (تولد و تموت دون أن ترى شيئاً أو تسمع شيئاً!). ورويداً رويداً راح ينسحب من حياة أسرته، وحياة أمثاله من ذوي الثراء.. ولم لا يفعل وهو يرى في كل يوم، عندما يخرج من بيته: (جمهرة من المتسولين بملابسهم الرثة، يمدون إليه أيديهم، فلا يبالي بهم، بل يمتطي صهوة حصانه، وينطلق مسرعاً، كأنه لم ير شيئاً!). ويخاطب نفسه: (إن أي فلاح بسيط من العبيد الذين يعملون في أرضك يستطيع أن يصرخ في وجهك: إنك تقول شيئاً وتفعل نقيضه. فكيف تطيق ذلك؟). وأخذ ينشر المقالات داعياً إلى المساواة بين الناس وبلغ عدد ما كتب عشرة آلاف رسالة، حتى لقب (محامي مائة مليون من الفلاحين الروس) وسماه الأمريكيون (المواطن العالمي). وامتلأت زوجته رعباً من أن تجرفه أفكاره المثالية بعيداً، فيوزع ممتلكاته على العاملين فيها، فقالت له مهددة : (يبدو أن حياتنا تسير إلى قطيعة مؤكدة. ليكن.. فأنا وأنت على تنافر دائم منذ التقينا.. أتريد أن تقتلني وتقتل أولادك بمقالاتك هذه؟ لن أسمح لك بذلك!) ولم يكن تولستوي راغباً في أن تصل الأمور إلى هذا الحد. كان يخشى- كما قال- (أن يمر عبر أشلاء الآخرين، فكيف إذا كانوا أقرب الناس إليه؟.)

الحرب والسلام..
ولم يجد ملجأ يأوي إليه سوى الكتابة، يبثها همومه وأفكاره.. فكانت روايته الرائعة (الحرب والسلام) التي بدأها عام 1863، واستغرق إنجازها ست سنوات متواصلات.. وهي ملحمة تاريخية تغطي مساحة زمنية طويلة، وتركز على مرحلة اجتياح نابليون لروسيا وما قبلها وما بعدها، وتشتمل على ستمائة شخصية تتبع تولستوي حياة كل منها، وأضاء العوالم الداخلية فيها، مما أثار دهشة الكتاب والنقاد جميعاً. قال (مكسيم غوركي) عندما فرغ من قراءتها: (انظروا أي إنسان فريد يعيش على هذه الأرض! إن هذه الرواية شبيهة بإلياذة هوميروس. إنها أعظم عمل أدبي في القرن التاسع عشر.) وقال تورجينيف: (لقد احتل تولستوي المكانة الأولى بين كتابنا المعاصرين). وقال فلوبيرإنها عمل من الدرجة الأولى). وقال موباسان: (إنها اكتشاف لعالم جديد كامل.) عالم على صفحات الكتب.. يمنح صاحبه الشهرة والجاه. أليس ذلك ما أراد؟.

أنا كارنينا والبعث..
وفي سنة 1877 أنجز تولستوي رائعته الثانية (أنا كارنينا) وقد بدأها بالعبارة التالية: (كل الأسر السعيدة متشابهة، أما الأسر التعيسة فلكل منها قصتها المختلفة، وتعاستها الخاصة المميزة). وفي هذه الرواية يقول (دستويفسكي): (ليس ثمة عمل أدبي أوروبي يمكن مقارنته بأنا كارنينا) وتدور حول امرأة أرستقراطية فشلت في حياتها الزوجية وفيما بعدها مما دفعها إلى الانتحار بأن ألقت بنفسها تحت عجلات قطار. أما روايته العظيمة الثالثة فهي (البعث) وقد استلهمها من خبر قرأه في إحدى الصحف عن ثري إقطاعي اختير ليكون عضواً في هيئة المحلفين لمحاكمة امرأة، فما أن وقعت عيناه عليها حتى تذكر أنه التقى بها قبل سنين وأغواها ثم نبذها، مما دفعها إلى السقوط.. وهاله الأمر، فقرر أن يغير حياته كلها، ونجح.

هدف الفن والحياة
كان تولستوي يرى ان الهدف الرئيسي للفن هو (كشف اللثام عن حقيقة الإنسان الروحية) وأن الكمال الفني يكمن في (البساطة والإيجاز والوضوح). ومن أجل ذلك بذل جهوداً مضنية استنفدت كل طاقته.. وهو في هذا يقول: (لقد منحت عملي الحياة كلها.. إنه كياني كله). وكان- في الوقت نفسه- يدعو بكل وسيلة ممكنة إلى (الحب لكل البشر، وعدم الاستسلام لقوى الشر.) وينادي (على كل حي أن يناضل من أجل الحياة حتى آخر رمق.) وكان الناس في روسيا وأوروبا كلها يتابعون أخباره، ويشاركونه الأسى لمأساته مع أسرته. واحتفلوا بذكرى ميلاده الثمانين وجعلوا ذلك اليوم عيداً وطنياً.. وقال الكاتب الألماني (هاوبتمان): (هذا الرجل نما في عصرنا بآلاف الجذور)..
وفرح تولستوي بتلك الحفاوة البالغة، و لعله اعتبرها تعويضاً عن فشله في تحقيق هدفه الكبير الذي كان يصر عليه: (في المساهمة بإنشاء عالم جديد ينتفي عنه الشر والمرض والبؤس، ويعيش الناس فيه جميعاً إخوة سعداء.). بلى. لقد كان صاحب قلب كبير، لكنه لم يصل ذلك القلب بالروح، فيكون له فيه عون، ومرجع، وينبوع لا ينضب، وامتداد. ولهذا كان هروبه الأخير، في تلك الليلة العاصفة، شهقة أسى مديدة، في متاهة راعبة، بلا قطرة من ضياء.. وكيف لا يكون كذلك والإنسان عندما ينشد غايتين، فإنما يحقق أقربهما إلى نفسه وهواه، فإذا هي عندئذ حفنة من هباء؟

منقووول[/CENTER]

يسلمو اخيتي

جزيتي كل خير

مشكوووووووووووووره

شكرا موضوع قيم قراته مستمتعا
الى المزيد من هذه الكتب القيمة جدا، ونشكر ادارة المنتدى على جهودها الجبارة في ادامة هذا الصرح الحضار
الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.