دخلت فرنسا مرّة أخرى، في سباق محموم، لاختطاف ملفات من المفروض أنها "ملك مشترك" مع دول أخرى. وفي خرجة مثيرة، استقبل الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، بعض عائلات ضحايا الطائرة المحطمة في مالي، مقدّما لهم "وعودا" بنقل جثامين الضحايا من مالي إلى باريس، وهو ما "أغضب" الجزائر ودفع وزارة الخارجية إلى طلب توضيحات.
تشير أوساط مراقبة، أن فرانسوا هولاند، يُحاول ركوب مأساة الطائرة الإسبانية المؤجّرة من طرف الخطوط الجوية الجزائرية، لأهداف انتخابية، ولو بركوب الأشلاء، ولذلك فقد قدّم الرئيس الفرنسي، وعودا وعهودا لعائلات الضحايا، بعيدا عن أيّ تنسيق وتشاور، مع البلدان المعنية، ودون أن يُبلغها بهذا "القرار" الاستعراضي، وهو ما يرسم علامات استفهام وتعجّب أمام الخرجة الفرنسية.
لقد سبقت فرنسا البلدان المعنية إلى "العلبة السوداء"، وزعمت بأنها هي أول من عثر على الطائرة المتحطمة، وحاولت إيهام الرأي العام الدولي، بأنها صاحبة "السبق"، في إعلان "الأخبار العاجلة" أولا بأول، في محاولة مفضوحة للسطو على المعلومات وتوجيه الرأي العام واستغلال الحادثة لأغراض أخرى!
القنوات الرسمية وغير الرسمية التي اعتمدتها فرنسا، تـُسقط هذه الأخيرة في فخّ التضارب، والتناقض هو دليل الكذب، مثلما تقول الحكمة، فقد بثت جهات فرنسية، تارة أخبارا ترجّح فرضية سوء الأحوال الجوية، وتارة أخرى لا تستبعد احتمال العملية الإرهابية، في وقت كان فيه "فرقاء مالي" يجلسون على طاولة الحوار بالجزائر، حيث وقّعوا على اتفاق وقف الاقتتال، الوساطة الناجحة التي ثمنتها كبرى الدول، وهو ما يدفع إلى التساؤل حول حقيقة وخلفيات "التسريبات" والسيناريوهات الفرنسية المتعارضة بشأن الطائرة؟
لجوء الجزائر من خلال وزارة الخارجية إلى طلب "توضيحات" من فرنسا بشأن تصريحات هولاند، يعطي الانطباع حسب متابعين، أن "التحقيق المزدوج" في حادثة سقوط الطائرة بمالي، فجّر "خلافات" مكتومة، بين الجهات المعنية بالطائرة والتي لها رعايا ضمن "رحلة الموت"، وقد يكون طلب التوضيحات، مؤشرا على "أزمة" جديدة بين الجزائر وباريس، نتيجة استهتار هذه الأخيرة وشروعها في "اختطاف" القضية ومحاولة "تأميمها" والتعتيم على تفاصيلها وتسريب ما يخدمها فقط من معلومات!
محاولة ضرب سمعة الجزائر من خلال التحامل على الخطوط الجوية الجزائرية التي تبقى "شركة سيّدة"، لا يُمكن فصلها برأي مراقبين، عن تطوّر الخرجات الفرنسية، التي بدأت بالإعلان عن "العثور على الطائرة"، ثم "العثور على العلبة السوداء"، وأخيرا وليس آخرا استقبال هولاند لبعض عائلات الضحايا وإبلاغهم بنقل الجثامين من مالي إلى فرنسا(..).
"القرار" الذي أعلنه هولاند، يبقى حسب المعطيات الأولية، وحسب ردّ فعل الجزائر، موقفا انفراديا ومعزولا، لم يلجأ فيه الجانب الفرنسي إلى التشاور والتنسيق، مثلما تقتضيه الأعراف الدبلوماسية، والقوانين الدولية المسيّرة لمثل حالات سقوط الطائرة، والذي يُعطي الحقّ والصلاحية لمالي من أجل التحقيق، بمساعدة الدول الأخرى المعنية، وبينها الجزائر.
تبعا لذلك، فإن فرنسا، ما هي إلاّ "شريك" فقط من المجموعة المعنية بالتحقيق والتصريح وإعلان المعلومات، لكن الظاهر أن "تسرّع" فرنسا واندفاعها وممارستها "الوصاية"، يفتح الباب للاستغراب، في وقت يعتقد خبراء أمنيون، أن التحرّكات المريبة والمشبوهة لفرنسا بشأن الطائرة، تستند إلى مبرّر "إخفاء الحقيقة"، خاصة إذا تعلق الأمر بـ "عملية إرهابية"، حيث ستكون الضربة وخيمة بالنسبة لمصداقية "الحرب الفرنسية" بمالي "على الإرهاب"، وتداعيات مثل هذه الفرضية على كامل المنطقة التي تسيل لُعاب الأمريكيين والفرنسيين، الذين يُريدون "أفغنتها" لتسهيل وتقنين عملية التدخل فيها!