عقدة العداء للإسلام 2024.

"فقط أرني ما أتى به محمد وجاء جديدا، عندها ستجد فقط ما هو شرير ولا إنساني، كأمره نشر الدين الذي نادى به بالسيف". لم يجد بابا الفاتيكان الحالي (بينديكتس السادس عشر) إلا هذه الجمل ليستشهد بها في محاضرة علمية، ألقاها في جامعة ريجنسبورج الألمانية، أمام نخبة من المثقفين والأكاديميين، وهذا أمر جد عادي، لأن الكنيسة مجبولة على مثل هذا السلوك، الذي يعبر عن انفصام عميق في شخصيتها المتقلبة الأطوار، فهي تبدي غير ما تخفي، وتعلن عكس ما تُكنّ! وهذا ما يظهر بوضوح في أغلب مقاطع المحاضرة التي ألقاها البابا، وهي تعقد مقارنة ضمنية بين الإسلام والمسيحية، لا تنكشف للقارئ إلا من خلال القراءة العميقة، ليخلص من ذلك، بشكل أو بآخر، إلى إثبات أفضلية المسيحية على الإسلام، وهذا ما يستجلى منذ البداية من تهجمه على الإسلام، وقدحه الظاهر في جملة من الأمور التي تعتبر مسلمات وبديهيات في العقيدة الإسلامية.

ولئن كان واضحا بالمنطق العقلي المنظور، والدليل الواقعي الملموس لدى الكنيسة، أن الدين الإسلامي يشمل كل تلك السلوكات والمعاملات والأخلاق والقيم التي من شأنها أن تخلق عالما سمحا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) البقرة//208، تنتفي فيه الفوارق الطبقية، وتتلاشى فيه العنصرية العرقية أو الدينية أو غيرهما، إلى درجة أن قوانين الشريعة الإسلامية تسمح لرعايا الدول الأجنبية المعادية للإسلام بحق المواطنة على تراب الدولة الإسلامية، ولئن كان الأمر كذلك، فإن الكنيسة طالما تجاهلت هذا الوجه السمح للإسلام، وصنفته في لائحة الأديان أو الثقافات المنبوذة، ليس لأنه يستحق النبذ، ولكن لأنه يملك الحقيقة التي تخشى منها الكنيسة، هذه الحقيقة التي سعت بكل ما ملكته من قوة وجبروت ونفود إلى طمسها (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ) المائدة/41، والترويج لها بالأسلوب الذي يلائم مصالحها الأيديولوجية والسياسية والمادية، وقد انبثقت عن سلوك النبذ هذا عقدة العداء الشرس لكل ما تشتم منه رائحة الإسلام، وقد اختلفت أشكال هذا العداء، بين مادي من حروب ومواجهات واستعمارات، ومعنوي أو رمزي من تحريف للمعطيات وتشويه للحقائق وإفشاء للأكاذيب وإحداث للأراجيف.

إن العداء المادي يمس المجتمع في أرواحه ومرافقه ومعماره، ويترتب عن ذلك شرخ نفسي بليغ، لكنه ومع ذلك فقد تتبدد تلك الآثار مع مرور الأيام، لأنه بدوران التاريخ يتحول ذلك المجتمع إلى طور آخر من الحياة، ويلج مرحلة تاريخية تختلف عن التي سبقتها، فيصبح الحديث عن العداء المادي، إما من باب التذكير أو من باب البكاء على الأطلال، غير أنه في علاقة الإسلام بالمسيحية يتخذ الأمر مسارا مغايرا، يبدو فيه الصراع بين الطرفين مستمرا إلى ما لا نهاية، يتلبس بمختلف التسميات والمصطلحات (حروب صليبية، استعمار، صراع الغرب والشرق، مواجهة الإرهاب، صراع الإسلام والغرب…).حتى أنك تشعر بأن المستقبل يعد بمواجهة عظمى بينهما!

أما العداء المعنوي أو الرمزي فيعتري المجتمع في معارفه وأفكاره وحقائقه ومعتقداته، فهو بذلك أشد وطأ من العداء المادي، حقا إن أثر العداء الأول يبدو جليا للعين، التي تشهد القتل والتنكيل والدمار والتخريب، ويحز بشكل عميق في النفس، التي تحذوها الجراحات والأورام، لكن ومع ذلك، فإن كل تلك الملمات والويلات التي تصيب البدن والنفس والمال، لا تعادل طمس حقيقة واحدة من حقائق العقيدة الإسلامية، التي تجد أصلها في كلام الله تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ) البقرة/105 (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) الإسراء/176، أو سنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى) النجم/3، وفي هذا الإطار يمكن إدراج خطاب البابا بنيديكتس، الذي يكشف عن عداء معنوي سافر للإسلام، حيث ينسب في أكثر من موضع من محاضرته سلوكا ما إلى الإسلام، وإن كانت الحقيقة غير ذلك، وهذا لعمري نابع من النظرة العدائية التي تطغى على علاقة الكنيسة بالإسلام، وهي نظرة تحاول أغلب المؤسسات المسيحية تعميمها بين أوساط أنصارها ومريديها في شتى أنحاء العالم، مطعمة إياها بنشر حقائق مغلوطة حول الإسلام، تسري في عقولهم الجاهلة سريان السم في الدم!

ثم إن هذا العداء بصنفيه؛ المادي والمعنوي، يُسعى من خلاله إلى التنقيص من شأن الدين الإسلامي، بأسلوب يوحي بأنه عقلاني، مادام أنه ينطلق من جملة من المعطيات التي يحسبها المسيحي العادي أمورا حقيقية، فيسلم بها دون تشكيك أو تردد، على هذا الأساس يمكن رد الرأي الشائع الذي يقول بأن الإساءات التي تمارس من فينة لأخرى، من لدن الغرب على الإسلام، إنما ناجمة عن جهل أولئك المسيئين بحقيقة وطبيعة هذا الدين، وهذا رأي يعبر إما عن استخفاف الغرب بنا واستحماره لنا، وإما عن سذاجة من يأخذ به وقلة إلمامه بعلاقة الغرب بالإسلام، لأن هذا الغرب الذي استعمرنا أمدا طويلا، واستحوذ على طاقاتنا البشرية والطبيعية، ومكاسبنا التراثية والثقافية، مكنته هذه التجربة التي كانت علينا وبالا، وكانت له فتحا، (مصائب قوم عند قوم فوائد)، من أن يتعلم الكثير عن الدين والثقافة الإسلامية، بل ويدرك طبيعة الهوية والشخصية الإسلامية، حتى أن مستشرقيه ومبشريه كانوا يدونون كل صغيرة وكبيرة عن الإسلام، ويأتي اليوم من يبرر ما قاله البابا، معتبرا إياه يجهل حقيقة الإسلام عقيدة وحضارة، وهم يعلمون أن البابا ليس شخصا عاديا، وإنما هو مثقف كبير، سبق له وأن درس علم اللاهوت وتاريخ العقيدة في جامعة بون وغيرها منذ سنة 1959، وهذا يعبر عن أنه يملك معرفة كافية عن الدين الإسلامي. وإلا فما هي الدلالات العميقة لهذه العبارات التي ضمنها بيانه الشخصي، الذي تلا الضجة العارمة التي أحدثتها محاضرته، وهو يقول فيه: "إنني أشعر بأسف عميق لردود الفعل في بعض البلدان لفقرات قليلة من خطابي بجامعة ريغينسبورغ، والتي اعتبرت مسيئة لمشاعر المسلمين. لقد كانت هذه في الواقع اقتباسا من نص يرجع للعصور الوسطى، ولا يعبر بأي صورة عن فكري الخاص". غير أن هذا الأسف الموسوم بالعميق، ليس عميقا إلا على المستوى الشكلي، وإلا فلماذا يظل البابا متمسكا بالمقارنة المجحفة التي عقدها في محاضرته بين الإسلام والمسيحية،

فماذا يمكن أن نعتبر هذه الازدواجية في الخطاب؛ تناقضا غير مقصود، أم انفصاما مرضيا، أم عداء مقننا ضد الإسلام؟

بوركت اخي

موضوع ذو قيمه وفائده كبيره

لا ادري ما ذا اقول بكل صراحه اشكرك على المجهود الراقي

تقبل مروري

أخي الحب الخالد
الشكر لك ولتشجيعك ومرورك دائما مميز بكل ماتكتب أو تعلق
أقبل مني كل أحترام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.