الورع يا رجال الصحوة محمد بن عبدالله الدويش 2024.


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

الورع مصطلح نبوي شرعي: فقد ثبت عن النبي [ ] -صلى الله عليه وسلم- هذا اللفظ في قوله: [يَا أَبَا هُرَيرَةَ كُن وَرِعًا تَكُن أَعبَدَ النَّاسِ وَكُن قَنِعًا تَكُن أَشكَرَ النَّاسِ وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبٌّ لِنَفسِكَ تَكُن مُؤمِنًا وَأَحسِن جِوَارَ مَن جَاوَرَكَ تَكُن مُسلِمًا وَأَقِلَّ الضَّحِكَ فَإِنَّ كَثرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ القَلبَ]رواه ابن ماجه. وقال -صلى الله عليه وسلم-: [فضل العلم [ ] أحب إليَّ من فضل العبادة وخير دينكم الورع]رواه البزار والحاكم والطبراني في الأوسط من حديث حذيفة، ورواه الحاكم أيضاً من حديث سعد -رضي الله عنهما-. فالورع إذاً مصطلح شرعي نبوي، وإن كان ليس من شروط هذه المصطلحات أن ترد بنصها عن النبي [ ] -صلى الله عليه وسلم-، فما دام المصطلح لا يعارض النصوص الشرعية فلا مشاحة في الاصطلاح.

أما الأدلة على معنى الورع دون لفظه، فهي كثيرة في كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ومنها:

* حديث النٌّعمَانِ بنِ بَشِيرٍ, قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: [إِنَّ الحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَينَهُمَا مُشتَبِهَاتٌ لَا يَعلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِن النَّاسِ فَمَن اتَّقَى الشٌّبُهَاتِ استَبرَأَ لِدِينِهِ وَعِرضِهِ وَمَن وَقَعَ فِي الشٌّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرعَى حَولَ الحِمَى يُوشِكُ أَن يَرتَعَ فِيهِ…] رواه البخاري [ ] ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي والدارمي وأحمد.

* حديث النَّوَّاسِ بنِ سِمعَانَ قَالَ: سَأَلتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَن البِرِّ وَالإِثمِ فَقَالَ: [البِرٌّ حُسنُ الخُلُقِ وَالإِثمُ مَا حَاكَ فِي صَدرِكَ وَكَرِهتَ أَن يَطَّلِعَ عَلَيهِ النَّاسُ] رواه مسلم والترمذي والدارمي وأحمد.

وحين جاء وابصة بن معبد إلى النبي [ ] – صلى الله عليه وسلم – فقال له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: [جِئتَ تَسأَلُ عَن البِرِّ وَالإِثمِ… استَفتِ نَفسَكَ استَفتِ قَلبَكَ يَا وَابِصَةُ ثَلَاثًا البِرٌّ مَا اطمَأَنَّت إِلَيهِ النَّفسُ وَاطمَأَنَّ إِلَيهِ القَلبُ وَالإِثمُ مَا حَاكَ فِي النَّفسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدرِ وَإِن أَفتَاكَ النَّاسُ وَأَفتَوكَ] رواه الدارمي وأحمد. ولا شك أن هذا الحديث مع ما فيه من الدلالة على الأمر بالتورع مما حاك في الصدر، وإتيان ما اطمأنت إليه النفس، فهو إشارة إلى حال الصالحين، وحال قلوبهم التي ترى بنور الله -سبحانه و تعالى- فتطمئن هذه القلوب [ ] للبر والهدى والتقى والصلاح، وتشعر باشمئزاز ونفور من الإثم وأسبابه، ولو أفتاها الناس، وهذا المقياس في مسألة البر والإثم ليس إلا لعباد الله الصادقين، بل لعله أن يكون أمارة نختبر بها قلوبنا فإن كانت تطمئن للبر، والصلاح، والتقوى، وتشمئز من المعصية، والسيئة، وتنفر منهاº فهي قلوب صالحة بإذن الله، وإن كانت دون ذلك فهي بحاجة إلى تزكية وإصلاح.

الورع عند السلف: قال ابن القيم [ ] -رحمه الله- في المدارج: ‘وقد جمع النبي [ ] -صلى الله عليه وسلم- الورع كله في كلمة واحدة، فقال: [مِن حُسنِ إِسلَامِ المَرءِ تَركُهُ مَا لَا يَعنِيهِ]رواه ابن ماجه والترمذي ومالك وأحمد. فهذا يعم الترك لما لا يعني من الكلام، والنظر، والاستماع، والبطش، والمشي، والفكر، وسائر الحركات الظاهرة والباطنة، فهذه الكلمة كافية شافية في الورع’.

وقال إبراهيم بن أدهم: ‘الورع ترك كل شبهة، وترك ما لا يعنيك هو ترك الفضلات’.

وقال إسحاق بن خلف: ‘الورع في المنطق أشد منه في الذهب والفضة، والزهد [ ] في الرياسة أشد منه في الذهب والفضة لأنهما يبذلان في طلب الرياسة’.

وقيل: ‘الورع الخروج من الشهوات وترك السيئات’.
[/