العصر الذهبي للكلاسيكية 2024.

في هذا المقال سنتعرف إلى المرحلة الثانية وهي مرحلة الانتقال (1688م – 1715م)، ثم بعد ذلك سنختم الحديث عن المذهب الكلاسيكي بوجهة النظر الإسلامية حوله، ثم سنُتْبِعُ ذلكَ بِمَقالٍ نستعرض فيه لمحةً سريعة عن أهم أعلام المذهب الكلاسيكي في الغرب، لننتقل بعد ذلك إلى مذهب جديد من مذاهب الغرب الأدبية تلا الكلاسيكية وهو المذهب الرومانسي.

ثانياً/ مرحلة الانتقال (1688م – 1715م):
ظهر في نهاية القرن السابع عشر صراعٌ بين القدماء والمحدَثين، فقد انتهى الأمر بالمحدَثين إلى تأليفهم أعمالاً يمكن أن توصف نفائسها بأنها أخصب من مؤلفات الأقدمين، فتساءلوا: لماذا إذاً ينادون بأفضلية ذلك الأدب القديم دائماً؟ لا بد من إظهار أن عصر (كورنيي) و(موليير) و(راسين) يعادل من حيث الكيف والكم عصر (بريكليس) و(أوغست).

وذهب أنصار هذه الفكرة إلى أبعد من ذلك، حين قالوا بتفوق المحدثين على القدماء لا معادلتهم فحسب، وبلغ بهم الأمر إلى نقد القدماء إذا كانوا في معرض الثناء على المحدثين، وإلى الخلط بين الجيد والرديء من الكتاب المحدثين، وكان لا بدّ لهذا الموقف من أن يستدعي احتجاجاً شديداً من أنصار القديم إذ وقفوا متعصبين إلى من كانوا يعدّونهم نماذج كبيرة لا تضاهى.

ولكنَّ أسباباً أخرى أسهمت في ترجيح كفة تيار الحداثة، منها تطورُ العلوم، ولا سيما التطبيقية منها، ممّا بَرَّرَ فكرة ضرورة التطور في الآداب قياساً بالعلوم، كما كان لا بد للفردية التي هَمَّشَتْها الكلاسيكية من أن تتمرد مناديةً في وجه هيمنة الفكر والقواعد بحقوقِها في التخيل والإبداع والاعتراف بالعواطف الفردية، ومن خلال المقارنة بين الفريقين يتضح أن كليهما أساء طرح قضيته والدفاع عنها، فقد وقفوا جميعاً إلى جانب أشخاص أكثر من وقوفهم إلى جانب قضية، وكثيراً ما أعوزتهم الحجج القوية، ولم يحالفهم الصواب أو الخطأ إلا في بعض الجزئيات.

فهذا (بيرّو) يسفّه الذين يريدون تقليد القدماء دون جدوى حسب زعمه، ويثني على المحدثين ويرى أنهم كانوا ضحية (بوالو). أما (بوالو) فقد كان يدافع عن القدماء مثل (هوميروس) و(بندار)، ولم يأت بنظرية صحيحة في تقليد الأقدمين إلاّ في القليل النادر…

وفي النتيجة كان المعاصرون هم الفائزين في هذه المعركة، فالقرن الثامن عشر لم يعد يعرف القدماء، وانتصرت فكرة التقدم في مجتمع مؤمن بإمكاناته الإبداعيّة، بعيدٍ عن التقليد، ولكنَّ هذا الصراع كانت له في ذاته أهمية حقيقية، ورغم احتوائه على بعض الرعونة في كثير من جزئياته فقد كان منطلقاً لكل ما جرى في القرن الثامن عشر الذي كان من جهة امتداداً للقرن السابع عشر في فرنسا على الأقل، ومن جهة ثانية استجابة وتحضيراً للثورة الفرنسية، فهو في آن واحد انتماء إلى الماضي وتجاوز عصري له.

· وجهة النظر الإسلامية حول الكلاسّيكية:
ارتبط المذهب الكلاسيكي بالنظرة اليونانية الوثنية، وحمل كل تصوراتها وأفكارها وأخلاقها وعاداتها وتقاليدها، والأدب اليوناني ارتبط بالوثنية في جميع الأجناس الأدبية من نقد أدبي وأسطورة إلى شعر ومسرح.

ثم جاء الرومان واقتبسوا جميع القيم الأدبية اليونانية وما تحويه من عقائد وأفكار وثنية، وجاءت النصرانية وحاربت هذه القيم باعتبارها قيماً وثنية، وحاولت أن تصبغ الأدب في عصرها بالطابع النصراني، وتستمد قيمها من الإنجيل إلاَّ أنها أخفقت، وذلك لقوة الأصول اليونانية، وبسبب التحريف الذي أصابها.

وبعد القرن الثالث عشر الميلادي ظهرت في إيطاليا بداية حركة إحياء للآداب اليونانية القديمة، وذلك بعد اطلاع النقاد والأدباء على كتب أرسطو في أصولها اليونانية وترجماتها العربية، التي نقلت عن طريق الأندلس وصقلية وبلاد الشام بعد الحروب الصليبية.

إن الكلاسيكية مذهب أدبي يقول عنه أتباعه إنه يبلور المثل الإنسانية الثابتة كالحق والخير والجمال، ويهدف إلى العناية بأسلوب الكتابة وفصاحة اللغة وربط الأدب بالمبادئ الأخلاقية.

ويُعَدُّ (شكسبير) رائدَ المدرسة الكلاسيكية في عصره، ولكن المذهب الكلاسيكي الحديث ينسب إلى المدرسة الفرنسية، حيث تبناه الناقد الفرنسي (نيكولا بوالو) في كتابه الشهير (علم الأدب).

ويقوم المذهب الكلاسيكي الحديث على أفكار مهمة، منها تقليد الأدب اليوناني والروماني من بعض الاتجاهات، واعتبار العقل هو الأساس والمعيار لفلسفة الجمال في الأدب، فضلاً عن جعل الأدب للصفوة المثقفة الموسرة وليس لسواد الشعب، مع الاهتمام بالشكل والأسلوب وما يستتبع ذلك من جمال التعبير، على نحو تتحقق معه فكرة تحليل النفس البشرية والكشف عن أسرارها بأسلوب بارع ودقيق وموضوعي.

ومن أهم الجوانب التي تستحق التعليق في الكلاسيكية أنها تعلي من قدر الأدبين اليوناني والروماني مع ارتباطهما بالتصورات الوثنية، ورغم ما فيهما من تصوير بارع للعواطف الإنسانية فإن اهتماماتهما توجه بالدرجة الأولى إلى الطبقات العليا من المجتمع وربما استتبع ذلك الانصراف عن الاهتمام بالمشكلات الاجتماعية والسياسية.

منقول

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.