السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
<a rel="nofollow" href="https://
يعطِـــيكْ العَآفيَـــةْ.. عَلَـــىْ روْعـــَــةْ انتقائك
بإآنْتظَـــآرْ الَمزيِــدْ منْ إبدَآعِكْ .. لــكْ ودّيْ
وَأكآليلَ ورْديْ
لخص العلماء تعريف العبادة بقولهم: كل ما يحبه الله ويرضاه من الأفعال والأقوال الظاهرة والباطنة، فمثال الأفعال الظاهرة الصلاة، ومثال الأقوال الظاهرة التسبيح، ومثال الأقوال والأفعال الباطنة الإيمان بالله وخشيته والتوكل عليه، والحب والبغض في الله.
وأصل معنى العبادة مأخوذ من الذل، يقال طريق معبّدٌ إذا كان مذللا قد وطئته الأقدام، غير أن العبادة في الشرع لا تقتصر على معنى الذل فقط، بل تشمل معنى الحب أيضا، فهي تتضمن غاية الذل لله وغاية المحبة له، فيجب أن يكون الله أحبَّ إلى العبد من كل شيء، وأن يكون الله عنده أعظم من كل شيء .
لصحة العبادة شرطان:
أحدهما: أن لا يعبد إلا الله، وهو الإخلاص الذي أمر الله به، ومعناه أن يقصد العبد بعبادته وجه الله سبحانه، قال تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة }(البينة:5). وقال صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى: ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ) رواه مسلم وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: " اللهم اجعل عملي كله صالحا، واجعله لوجهك خالصا، ولا تجعل لأحد فيه شيئا ".
والثاني: أن يعبد الله بما أمر وشرع لا بغير ذلك من الأهواء والبدع، قال تعالى: { أَم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله }(الشورى: 21)، وقال تعالى: { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا }(الكهف:110) وقال صلى الله عليه وسلم: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) متفق عليه. وقال الفضيل بن عياض في قوله تعالى:{ ليبلوكم أيكم أحسن عملا }(هود: 7) قال أخلصه وأصوبه، قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه ؟ قال: العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا، والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة .
الناس في عبوديتهم لربهم على قسمين:
القسم الأول عبودية قهر: وهذه لا يخرج منها أحد من مؤمن أو كافر، ومن بر أو فاجر، فالكل مربوب لله مقهور بحكمه خاضع لسلطانه، فما شاء الله كان وإن لم يشاؤوا وما شاؤوا إن لم يشاء لم يكن، كما قال تعالى:{ أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون }(آل عمران:33).
القسم الثاني عبودية تكليف: وهي عبودية شرعية دينية، وهي طاعة الله ورسوله، وهي التي يحبها الله ويرضاها، وبها وصف المصطفين من عباده، وهذه العبودية اختيارية من حيث القدر، فمن شاء آمن ومن شاء كفر، ومرد الجميع إلى الله تعالى ليحاسبهم على أعمالهم .
لعبادة الله أعظم الأثر في صلاح الفرد والمجتمع والكون كله، فأما أثر العبادة على الكون وعلى البشرية عامة فهي سبب نظام الكون وصلاحه، وسبيل سعادة الإنسان ورفعته في الدنيا والآخرة، وكلما كان الناس أقرب إلى العبادة كان الكون أقرب إلى الصلاح، والعكس بالعكس، فإن انهمكوا في المعاصي والسيئات وتركوا الواجبات والطاعات كان ذلك مؤذنا بخراب الكون وزواله، ومن تأمل كيف أن القيامة لا تقوم إلا على شرار الخلق حين لا يقال في الكون كله " الله الله " علم صحة ما ذكرنا.
والعبادة هي الزمام الذي يكبح جماح النفس البشرية أن تلغ في شهواتها، وهي السبيل الذي يحجز البشرية عن التمرد على شرع الله تعالى، قال تعالى : { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر }(العنكبوت:45) فالعبادة ضمانة أخرى من أن تنحرف البشرية في مهاوي الردى وطرق الضلال.
والعبادة سبب للرخاء الاقتصادي واستنزال رحمات الله وبركاته على البلاد والعباد، قال تعالى: { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض }( الأعراف:96).
هذا فيما يتعلق بآثار العبادة على الكون كله وعلى البشرية جمعاء، أما آثارها فيما يتعلق بالفرد فيمكن إيجاز ذلك في أمور:
الأمر الأول: طمأنينة القلب وراحته ورضاه، قال تعالى : { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب }(الرعد:28).
الأمر الثاني: نور الوجه، قال تعالى: { سيماهم في وجوههم من أثر السجود }(الفتح:29) وقال عن الكافرين:{ والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }(يونس:27).
الأمر الثالث: سعة الرزق والبركة فيه، ويدل على ذلك قصة أصحاب الجنة الذين بارك الله لهم في جنتهم في حياة والدهم بطاعته ورحمته بالفقراء، حتى إذا مات وورثوا الأرض من بعده عزموا على حرمان الفقراء، فأرسل الله على جنتهم صاعقة فجعلتها كالصريم محترقة سوداء كالليل البهيم، قال تعالى: { إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون }(القلم:17).
لا يخفى أن العبادة روح ولب وعلاقة تواصل بين العبد وربه سبحانه، فإذا اقتصرت العبادة على الحركات، وتخلف عنها لبها وجوهرها من الخشوع والخضوع لله والذل والانكسار بين يديه، كان العبد مؤديا لصورة العبادة لا لحقيقتها، فشرود القلب وغفلته في أداءه للعبادة من أعظم الآفات التي تؤدي لعدم قبول العمل، ولتجاوز هذا ذكر العلماء أسبابا لبعث الروح في عباداتنا منها:
1- تحديث القلب وتذكيره بالتعبد لله سبحانه، وأن سعادته في إحسان عبادته لربه والقيام لله بحقه.
2- التهيؤ للعبادة والاستعداد لها، ويكون التهيؤ لكل عبادة بحسبه، فالتهيؤ للصلاة بالوضوء والحضور إلى المسجد مبكراً، قال سعيد بن المسيب رحمه الله: " ما دخل علي وقت صلاة إلا وقد أخذت أهبتها "، وقال ربيعة بن يزيد رحمه الله: " ما أذن لصلاة الظهر منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد، إلا أن أكون مريضا أو مسافرا ".
3- الابتعاد عما يشوش القلب أثناء العبادة كالأصوات والزخارف ونحوها، فقد أخرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيته خميصة – ثوبا – له أعلام قائلا: ( ألهتني آنفا عن صلاتي ) متفق عليه .
4- الإقبال على العبادة بقلب فارغ من مشاغل الدنيا وملهياتها، ففي البخاري تعليقا عن أبي الدرداء رضي الله عنه: " من فقه المرء إقباله على حاجته حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ " كل هذا من أجل أن ينخلع القلب من علائق الدنيا وينجذب إلى حقيقة العبادة، ويجتمع في قلب العبد وفكره ووجدانه الاتجاه إلى الله تعالى.
5- التنويع في أداء العبادة على جميع صفاتها الواردة حتى لا تتحول العبادة إلى حركات ديناميكية يفعلها العبد دون شعور بالفرق بين عبادة الأمس وعبادة اليوم، ولعل ذلك من حكم التنويع في صفات العبادات، فمن قرأ دعاء الاستفتاح في صلاة بصيغة فليقرأه في صلاة أخرى بصيغة أخرى من الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، أ
والتنويع في صفات العباة بما يوافق السنة الصحيحة له أثر في طرد ما قد يطرأ على العبادة من صفة العادة والرتابة التي تضعف تأثير العبادة على القلب.
ما من حسنة إلا وللشيطان فيها نزغتان، نزغة إلى إفراط ونزغة إلى تفريط، ودين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه، والعبادة شأنها شأن ذلك، فطائفة فرّطت في عبادة الله سبحانه، ولم تلق بالاً للأوامر الشرعية والشعائر الدينية، وهؤلاء هم العصاة، وطائفة غلت في العبادة، حتى خرجت عن المشروع، فابتدعوا المحدثات، وتعبدوا بالبدع، وطائفة اتبعت الحق وتوسطت الأمر واتبعت المنهج الوسط الذي يوازن بين حاجات الجسد وتطلعات الروح .
تلك كانت لمحة موجزة عن أهمية العبادة وشأنها في الإسلام، فينبغي على المسلم أن يحرص على التزود منها فرضا ونفلا، وأن يؤديها كما أرادها الله خالصة لوجهه من غير رياء ولا سمعة، صافية من البدع والأهواء، فمن حرص على ذلك كان حريا أن تقبل عبادته، وأن ينال رضا ربه، ويدخل جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين.
الموضوع منقول
<a rel="nofollow" href="https://
انا على يقين من تطبيقها بعد المشاهدة فورا
فضل العبادة زمن الفتنة
الشيخ عمر الحاج مسعود حفظه الله
وهذا ما تدعو إليه وسائلُ الإعلامِ المختلفةُ من صُحُفٍ وقنوات ومواقعَ إلكترونيَّةٍ، وتحرص عليه وتسخِّر له الألسنةَ الفاجرةَ والأقلامَ الحاقدةَ والأبواقَ النَّاعقةَ.
وإنَّ المسلمَ العاقلَ الفطِنَ ليرفُضُ تلك النِّداءاتِ المشبوهةَ ولا تغرُّه تلك الهُتافاتُ المحمومة، ولا يكترث لفتاوى حُدثاءِ الأسنانِ وسفهاءِ الأحلامِ، وإنَّما يهرُب من الفتن ويفِرُّ إلى ربِّه ويعتصم بحبله ويستمسك بغرز علمائه، ويحرِص على استتبابِ أمْنِ بلدِه، حتَّى يسُدَّ الطَّريقَ أمامَ العابثين بدين الأمَّة ولغتِها وأصالتِها وثوابتِها، الَّذين يصطادون في المياه العَكِرة، ويفسَحون المجال للأعداء والمتربِّصين ليتمكَّنوا من رقاب أبنائها ويتدخَّلوا في شؤونهم، ويخرِّبوا ديارَهم ويستبيحوا حرماتِهم ويَنهَبوا خيراتِهم.
ومن أعظم الأسباب الَّتي تقِي شرَّ الفتنِ وتحفَظُ من سوءِ عاقبتِها البعدُ عنها والاعتصامُ بالله تعالى والفرارُ إليه بعبادته ودعائه واستغفاره، وهذا الَّذي رغَّب فيه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، ونوَّه بفضلِه وأشاد بحُسنِ عاقبتِه.
فعن مَعقِل بن يَسار رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «العِبَادَةُ في الهَرْجِ كهِجْرةٍ إليَّ» رواه مسلم (2948)، وأحمد (20311) ولفظه: «العبادةُ في الفتْنةِ كالهِجرةِ إليَّ»، وله كذلك (20298): «العَمَلُ في الهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ».
والعبادة: «هي اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما يحبُّه اللهُ ويرضاه من الأقوالِ والأعمالِ الباطنة والظَّاهرة»(1)، منها إخلاصُ الدِّين لله ودعاؤه والاعتصامُ بحبله، وطلبُ العلمِ النَّافع وسؤالُ أهلِه والرُّجوعُ إليهم، ومنها الصَّلاةُ والصِّيامُ والذِّكرُ، ومنها الصِّدقُ والأمانةُ وفعلُ المعروف وأداءُ الحقوق، وطاعةُ الحاكم المسلم في غير معصية الله.
والهرْج: هو القتلُ والتَّناحر والفتنةُ واختلاطُ أمورِ النَّاس، وفُشُوُّ الفوضى بينهم، روى البخاري (6037) ومسلم (157) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَيُقْبَضُ العِلْمُ وَتَظْهَرُ الفِتَنُ وَيُلْقَى الشُّحُّ وَيَكْثُرُ الهَرْجُ» قالوا: وما الهَرْجُ؟ قال: «القَتْلُ».
والهجرةُ: هي الانْتِقالُ مِن بلَدِ الشِّرْكِ إلى بلدِ الإِسلام، ومنها الهجرةُ من مكَّةَ ـ لمَّا كانت دارَ كفر ـ إلى المدينة، وهي من أجلِّ العبادات وأعظمِ القُربات، وبخاصة إليه صلى الله عليه وسلم في حياته.
«كهِجْرَةٍ إِلَيَّ»: قال ابن العربي رحمه الله في «عارِضة الأَحْوَذِيِّ» (9/53): «ووجهُ تمثيلِه بالهجرة أنَّ الزمانَ الأوَّلَ كان النَّاسُ يفِرُّون فيه من دار الكفر وأهلِه إلى دار الإيمان وأهلِه، فإذا وقعت الفتنُ تعيَّن على المرْءِ أن يفرَّ بدينه من الفتنةِ إلى العبادة، ويهْجُرَ أولئك القومَ وتلك الحالةَ، وهو أحدُ أقسامِ الهجرة».
وقد شبَّه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم العابدَ ربَّه وقتَ الهرْج والفتنة بالمهاجر إليه فرارًا بدينه، وسبب هذا التَّشبيه «أنَّ الناسَ في زمن الفتن يتَّبعون أهواءَهم ولا يرجعون إلى دين، فيكون حالُهم شبيهًا بحال الجاهليَّة، فإذا انفرد من بينهم مَن يتمسَّك بدينه ويعبد ربَّه ويتَّبِع مراضيَه ويجتنبُ مساخطَه كان بمنزلة من هاجر من بين أهل الجاهليَّة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به، متَّبعًا لأوامره مجتنِبًا لنواهيه»(2).
ولا يختصُّ هذا بآخِرِ الزَّمان، وإنَّما هو عامٌّ في سائر الأزمنة؛ لأنَّه مربوطٌ بسبب، وهو الفتنةُ والهرْجُ.
إنَّ هذا الحديثَ المبارَكَ يُرسي المنهجَ القويمَ الَّذي ينبغي أن يسلكَه طالبُ النَّجاةِ من شرِّ الفتن، وسأذكر ـ بتوفيق الله ـ أهمَّ فوائدِه، وأنبِّه كذلك على بعضِ مقاصد العبادة في زمن الفتنة، فمن ذلك:
1ـ فضلُ العبادة أيامَ الفتنةِ والهرج، وعِظَمُ ثوابِها ومضاعفةُ أجرِها، حيث إنَّه صلى الله عليه وسلم جعلها مثلَ درجةِ من هاجر إليه، ولا يخفى ما في الهجرة من الأجر والثَّواب، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ الله أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ الله وَالله غَفُورٌ رَّحِيم﴾[البقرة:218] وقال: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي الله مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُون﴾[النحل:41] وقال:﴿وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ الله يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى الله وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى الله وَكَانَ الله غَفُورًا رَّحِيمًا﴾[النساء:100].
وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص رضي الله عنه: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلاَمَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَنَّ الهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا وَأَنَّ الحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ» رواه مسلم (121).
هذا فضلُ الهجرةِ ـ عمومًا ـ الَّتي لا تنقطعُ إلى يومِ القيامة، فكيف بالهجرة إليه صلى الله عليه وسلم خصوصًا؟
وسببُ هذا الأجرِ الكبيرِ والفضلِ العظيمِ أنَّ الفتنَ إذا عمَّت اشتغل النَّاسُ بها وأثَّرت في قلوبهم، وألْهتهم عن عبادةِ ربِّهم، ولم يتفَرَّغْ للعبادة إلاَّ القليلُ، وهم الَّذين يفرُّون إلى الله عز وجل من الفتنِ وأهلِها.
والطَّاعة إذا عُمل بها وظَهرت سهُلت وخفَّت، وإذا تُرِكَت وغُفل عنها شقَّت وثقُلت إلاَّ على الخاشعين؛ لأنَّ النُّفوس تتأسَّى بما تشاهد من أحوال بني وقتِها وتتأثَّر به(3)، ولهذا المعنى قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «بَدَأَ الإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى للغُرَبَاءِ»، رواه مسلم (145) من حديث أبي هريرةَ رضي الله عنه، وجاء تفسيرُ الغرباء عند أبي عمرو الدَّاني في «السُّنن الواردة في الفتن» رقم (288) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: «الَّذِينَ يَصْلُحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ»(4).
إنَّ الفتنةَ كالكِيرِ يمحِّصُ الجواهرَ ممَّا يشوبُها، وفيها يتبيَّن مَن يعبدُ اللهَ ممَّن يتبع هواه؟
2ـ إشارةٌ إلى فضيلةِ الانفراد بعبادة الله تعالى وذكرِه وقتَ غفلةِ النَّاس واشتغالِهم بالفتنِ والشَّهوات، روى التِّرمذيُّ (3579) والنَّسائي (572) وصحَّحه الألباني عن عمرِو بنِ عبَسَةَ رضي الله عنه أنَّه سمع النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِن العَبْدِ في جَوْفِ اللَّيْلِ الآخِرِ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللهَ في تلكَ السَّاعَةِ فَكُنْ»، واللَّيلُ ـ وبخاصَّةٍ آخرُه ـ وقتُ غفلةٍ وخلودٍ إلى النَّوْم.
3ـ أنَّ العبادة ـ التي تكون من الضُّعَفاء ـ نُصرةٌ للمظلومين وحمايةٌ للمؤمنين، وجلبٌ للأرزاق والنِّعم، ودفعٌ للفتن والنِّقم، قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُم»، رواه البخاري (2896) والنَّسائي (3178) ولفظه: «إِنَّما يَنْصُرُ اللهُ هذه الأمَّةَ بضَعِيفِهَا، بدَعْوَتِهم وصَلاَتِهم وإِخْلاَصِهم».
قال ابن تيمية رحمه الله كما في «جامع المسائل» (2/61): «فإنَّ الله ـ بعباداتِ عبادِه المؤمنين ودُعائِهم ـ يَجلِبُ للنَّاسِ المنافعَ ويَدْفَعُ عنهم المضارَّ… وانتفاعُ الخَلْقِ بدعاءِ المؤمنين وصلاتِهم كانتفاع الحيِّ والميِّتِ بدعاء المؤمنين واستغفارِهم، ونزولِ الغيثِ بدعاءِ المؤمنين واستغفارِهم، والنَّصْرِ على الأعداءِ بدعاء المؤمنين واستغفارهم، وأمثال ذلك ممَّا اتَّفق عليه المؤمنون».
4ـ أنَّ المنفردَ بالطَّاعة من بين أهل المعصية والغفلة قد يدفع الله عنهم بصلاته البلاءَ، وينجِّيهم بدعائه من الفتنة.
وقال غيرُ واحد من المفسِّرين في قوله تعالى: ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ الله النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ﴾[البقرة:251]، «لولا أن الله يدفع بمن يصلِّي عمَّن لا يُصلِّي، وبمن يتقِّي عمَّن لا يتقِّي لأهلك النَّاسَ بذنوبِهم»(5).
5ـ أنَّ في أيَّام الفتن تَهيجُ النُّفوسُ وتَنزعِجُ القلوبُ وتَطيشُ العُقولُ وتَضطَربُ الأمورُ وتفشو الفوضى ويذهبُ الأمنُ، فلا يصلُح حينئذ إلاَّ العبادةُ والذِّكرُ والاستغفارُ رجاءَ الحصولِ على الثَّباتِ والسَّكينة والطُّمأنينَة، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ الله أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب﴾[الرعد:28]، روى الطَّبري في «تفسيره» (13/518) عن قتادة رحمه الله قال: «سكنت إلى ذكر الله واستأنست به»، وقال عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا الله ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾[الأحزاب:41 – 43].
6ـ أنَّ العبادة شِفاء لما تدعو إليه الفتن من الأمراض، فتطهِّر النُّفوس من التَّهوُّر والاندفاع، وتزكِّيها من حبِّ الشُّهرةِ والظُّهور، وتَحميها من الطَّمع والحرصِ على المال والرِّئاسة والزَّعامة والمنافسةِ فيها.
روى مسلم (2965) أنَّ سعدَ بن أبي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قال له ابنهُ عُمَرُ: «أَنَزَلْتَ في إبلِك وغَنَمِك وتركتَ النَّاسَ يتنازعون الملكَ بينَهم؟»، فضرب سعْدٌ في صدرِه، فقال: «اسْكُتْ، سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقُول: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ العَبْدَ التَّقِىَّ الغَنِىَّ الخَفِيَّ»، والعبدُ الخفيُّ هو المنقطِعُ ـ زمنَ الفتنة ـ لعبادة ربِّه، المشتغلُ بما ينفعُه، الَّذي لا يريد علوًّا في الأرض ولا فسادًا ولا يبغي شُهرةً ولا منصِبًا.
قال ابن بطَّة رحمه الله في «الإبانة الكبرى» (2/600): «فرحم الله عبدًا آثرَ السَّلامةَ ولزِم الاستقامةَ، وسلك الجادَّةَ الواضحةَ والسَّوادَ الأعظمَ، ونَبذ الغلطَ والاستعلاءَ، وترَك الخوضَ والمراءَ والدُّخولَ فيما يضرُّ بدينِه والدُّنيا، ولعلَّه ـ أيضًا ـ مع هذا لا يسلَم من فتنة الشَّهوة والهوى».
7ـ أنَّ العبادة تُستَدْفَع بها المصائبُ والمضارُّ والفتن؛ لأنَّ سببَها الذُّنوبُ، فإذا تاب أصحابُها واستغفروا ربَّهم منها، وفرُّوا إليه بعبادته وذكره والتَّضرُّع إليه، نجَّاهم منها ووقاهم شرَّها، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُون* فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون﴾[الأنعام:42 – 43]، وعن أُمِّ سلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالت: استيقظ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ليلةً فزِعًا يقول: «سُبْحَانَ اللهِ! مَاذَا أَنْزَلَ الله من الخَزَائِنِ ومَاذَا أُنْزِلَ منَ الفِتَنِ، مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الحُجُرَاتِ ـ يُرِيدُ أَزْوَاجَهُ ـ لِكَيْ يُصَلِّينَ؟، رُبَّ كَاسِيَةٍ في الدُّنْيَا عَارِيَةٍ في الآخِرَةِ» رواه البخاري (7069).
قال ابن حجر في «الفتح» (13/23): «وفي الحديث النَّدبُ إلى الدُّعاء والتَّضرعِ عند نزول الفتنة ولا سيَّما في اللَّيل لرجاء وقتِ الإجابةِ، لتُكشَف أو يَسلَمَ الدَّاعي ومَن دعا له، وبالله التَّوفيق».
وعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما أنَّ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرْبِ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ ورَبُّ الأَرْضِ ورَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ» رواه البخاري (6346) ومسلم (2730) وله في رواية: «كَانَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ قال…».
وروى أبو داود (1319) وحسَّنه الألباني عن حذيفة رضي الله عنه قَال: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا حزبهُ أمرٌ صلَّى».
فهديُه صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمرٌ ـ أي نابَه وألمَّ به واشتدَّ عليه ـ أن يستغيثَ بربِّه، ويفزَعَ إلى مناجاتِه ودعائِه والتَّضرُّعِ إليه، ليرفعَه عنه ويُبدِلَه مكانَه فرَجًا وطمأنينةً وأمْنًا، بخلاف ما عليه النَّاسُ اليومَ ـ مع كثرة الفتن والمصائب ـ من الغفلة عن كلِّ ذلك، واتِّباعِ الشَّهوات وإضاعةِ الصَّلوات، والسَّهَرِ على تتبُّع المواقع ومشاهدة القنوات، والمنافسة في المناصب والوِلايات، وحديثُ معقلٍ رضي الله عنه يتضمَّنُ تشبيهَ هؤلاء بالقاعدين عن الهِجرة التَّاركين لها.
8ـ أنَّ التَّفرُّغَ للعبادة انصرافٌ عن القيل والقال وكثرةِ السُّؤال وإضاعةِ الوقت، وتركٌ لما لا يعني الإنسانَ من الأخبار والعلاقات والمعاملات والمجالس، وإعراضٌ عمَّا لا يُحسِن وعمَّا ليس هو من أهله في دبيرٍ ولا قبيل، ولا له فيه ناقةٌ ولا فصيل.
ولا شكَّ أنَّ هذا أسلمُ للعبد وأحوطُ، وأبعدُ عن مشاركته في إحداثِ الفوضى والاضطرابِ وسفكِ الدِّماءِ ونشْرِ الأكاذيب وإعانة الظَّلَمَةِ وقذفِ الأبرياء.
إنَّ النَّاس أيَّامَ الفتنِ يخوضون فيما لا يُحسنون، ويتأثَّرون بما يشاهدون، ويحلِّلون الأقوال والآراء، وتُثيرهم التَّهيِيجاتُ والأهواء، فتمرضُ قلوبُهم ويفسُدُ تفكيرُهم، ويغفُلون عن عبادة ربِّهم، ويُهمِلون مصالحَهم وبيوتَهم ويفرِّطون في أماناتِهم، ومن اشتغلَ بما لا يَعنيه ضيَّع ما يَعنيه.
وخيرٌ لهم ـ لو كانوا يعقلون ـ الاشتغالُ بالعبادة والعلم والتَّعليم والفرارُ من جميعِ النِّداءات المحمومةِ والمؤثِّراتِ المهلكةِ والسُّيولِ الجارفة، فهذا هو الاشتغال بما ينفع ويعني، والحرصُ على ما يُثمِرُ ويَبْني، ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ الله وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَالله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين﴾[التوبة:109].
والله من وراء القصدِ وهو يهدي السَّبيل، وصلِّ اللَّهمَّ وسلِّمْ وباركْ على نبيِّنا محمَّدٍ الرَّحمةِ الُمهداةِ والمِنَّةِ المُسْداةِ، وعلى آلِه الأبرار وصحبِه الأخيار، وعلى التَّابعين لهم بإحسان إلى يوم القرار.
————————————-
(1)«مجموع الفتاوى» (10/149).
(2) قاله ابن رجب في «لطائف المعارف» (ص 132).
(3) انظر «لطائف المعارف» (ص 132).
(4) انظر «الصَّحيحة» للألباني (1273).
(5) انظر «المحرَّر الوجيز» (1/338).
[/QUOTE]
مما راق لي
موضوع رائع … شاكرا جهدك بنقله
جزاك الله الخير عليه وجعله بميزان حسناتك
لك مني الأحترام والتقدير
العبادة هي الغاية التي خلق الله لأجلها الخلق أجمعين، بل إن المخلوقين أنفسهم سموا عباداً؛ لأن الغاية من وجودهم عبادة خالقهم ومعبودهم، وجميع شرائع الإسلام وأحكامه تسمى عبادة؛ لأن العباد..
العبادة هي الغاية التي خلق الله لأجلها الخلق أجمعين، بل إن المخلوقين أنفسهم سموا عباداً؛ لأن الغاية من وجودهم عبادة خالقهم ومعبودهم، وجميع شرائع الإسلام وأحكامه تسمى عبادة؛ لأن العباد يتقربون بها إلى الله سبحانه، وهي المنجاة لهم يوم يقوم الناس لرب العالمين. والناس كلهم عباد الله، بل الأشياء كلها، بعضها بالتسخير، وبعضها بالتسخير والاختيار.
وبالعودة إلى معاجم العربية، نجد أن الجذر (عبد) يدل على أصلين صحيحين متضادين، أحدهما: يدل على لين وذل، والآخر: يدل على شدة وغلظة.
فمن الأصل الأول:
العبد، وهو المملوك، ويُجمع على عبيد. قال الخليل: أجمعوا على التفرقة بين عباد الله، والعبيد المملوكين، فقالوا: هذا عبد بيِّنُ العبودة، ولم يشتقوا منه فعلاً. ولا يقال: (عبد) يعبد عبادة إلا لمن يعبد الله تعالى. فالمتعبد: المتفرد بالعبادة. واستعبدت فلاناً: اتخذته عبداً. ولا يقال: (عبد) بمعنى خدم مولاه. ويقال: تعبد فلان فلاناً، إذا صيره كالعبد له، وإن كان حراً، ويقال أيضاً: أعبد فلان فلاناً، أي: جعله عبداً. ويقال للمشركين: عبدة الطاغوت والأوثان، وللمسلمين: عباد يعبدون الله تعالى.
ومن هذا الباب قولهم: طريق معبد، أي: سهل مذلل.
والأصل الآخر لهذا الجذر: العَبَدة، وهي القوة والصلابة؛ يقال: هذا ثوب له عبدة، إذا كان سميكاً قوياً. وناقة عبدة: قوية.
و(العبادة) في الاصطلاح الشرعي هي:
اسم لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة.
ولفظ (عبد) ومشتقاته تواتر بكثرة في القرآن، وبلغ مجموع تواتره أربعاً وسبعين ومائتين موضع، جاء في اثنين وخمسين ومائة موضع بصيغة الاسم، من ذلك قوله تعالى: { والله رءوف بالعباد} (البقرة:207). وجاء في اثنين وعشرين ومائة موضع بصيغة الفعل، من ذلك قوله سبحانه: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم} (البقرة:21).
ولفظ (عبد) ومشتقاته جاء في القرآن على عدة معان، نذكر منها ما يأتي:
أولاً: بمعنى المؤمنين والكافرين، من ذلك قوله تعالى: {والله بصير بالعباد} (آل عمران:15)، أي: إنه سبحانه عليم بمن آمن به من عباده، ومن كفر به. ومن ذلك قوله عز وجل: {وهو القاهر فوق عباده} (الأنعام:18).
ثانياً: بمعنى المؤمنين من عباده خاصة، من ذلك قوله تعالى: {والله رءوف بالعباد} (البقرة:207)، قال الطبري: والله ذو رحمة واسعة بعباده المؤمنين في عاجلهم وآجل معادهم، فينجز لهم الثواب على ما أبلوا في طاعته في الدنيا، ويسكنهم جناته على ما عملوا فيها من مرضاته.
ثالثاً: بمعنى الكافرين والعاصين من عباده خاصة، من ذلك قوله سبحانه: {يا حسرة على العباد} (يس:30)، أي: يا حسرة على الكافرين بأنعم الله، والمكذبين لرسله وندامتهم يوم القيامة، إذا عاينوا العذاب، كيف كذبوا رسل الله، وخالفوا أمر الله. ومن هذا القبيل قوله عز من قائل: {وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا} (الإسراء:17).
رابعاً: بمعنى المصطفين والمجتبين من الناس، كالأنبياء وغيرهم، من ذلك قوله تعالى: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} (فاطر:32)، أي: اخترنا الخُلَّص من الناس. وعلى هذا النحو قوله عز وجل: {وسلام على عباده الذين اصطفى} (النمل:59).
خامساً: بمعنى سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، من ذلك قوله سبحانه: {وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا} (الجن:19)، أي: لما قام محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله، تجمع ضده المشركون، وكادوا له كيداً. ومن هذا القبيل قوله سبحانه: {فأوحى إلى عبده ما أوحى} (النجم:10).
سادساً: بمعنى التوحيد، من ذلك قوله تعالى: { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا} (النساء:36)، أي: ذلُّوا لله بالطاعة، واخضعوا له بها، وأفردوه بالربوبية، وأخلصوا له بالانتهاء إلى أمره، والانزجار عن نهيه. وعلى هذا النحو قوله عز من قائل: {أن اعبدوا الله ربي وربكم} (المائدة:117).
سابعاً: بمعنى الطاعة، من ذلك قوله سبحانه: {فإياي فاعبدون} (العنكبوت:56)، قال الطبري: فأخلصوا لي عبادتكم وطاعتكم، ولا تطيعوا في معصيتي أحداً من خلقي. ونحو ذلك قوله تعالى: {أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون} (سبأ:40). ومجيء لفظ (العبادة) بمعنى (الطاعة) كثير في القرآن.
ومن المفيد أن نشير ختاماً إلى أن لفظ (عبد) وما اشتق منه من ألفاظ في القرآن، يحدده أولاً المعنى الشرعي لهذا اللفظ، ثم يحدده ثانياً السياق الذي ورد فيه، والمعنى اللغوي حاضر عند التدقيق والتأمل. ومن ثم فإن المتأمل، في جميع موارد الجذر (عبد) وما اشتق منه من ألفاظ في القرآن الكريم يلحظ أنه تضمن معناه اللغوي الأوسع، الذي هو الخضوع والذلة، كما تضمن معناه الشرعي بمعنى إفراد الله بالطاعة والعبودية، ثم أخيراً تحدد معناه الأضيق من خلال السياق الذي ورد فيه منقول